عن عنوان هذه المقالة : 1- أجدني مضطرا كثيرا في هذه الأيام الغبراء لاستخدام كلمات عامية مثل كلمة " مش " للنفي الموجودة في عنوان هذه المقالة، وذلك حتي يفهمه الجميع. 2- نشرت هنا من قبل سلسلة مقالات بعنوان " ويسألونك عن التخلف " وكنت أود أن يكون هذا أيضا عنوان هذه المقالة لوصل ما انقطع. لكني وجدت العنوان الحالي أقوي وأكثر مباشرة. أما عن موضوع المقالة فهو بالفعل حديث عن التخلف الذي نعيش فيه. كنت أتصور أن ثورة يناير التي شاركت فيها ربما ملايين من المصريات ستشكل قطيعة مع المفاهيم المتخلفة عن المرأة، لكني فوجئت بمظاهرة نسائية ضخمة تجوب شوارع وسط البلد مؤخرا ارتفعت فيها لافتات مكتوب عليها شعار " بنات مصر خط أحمر ". وذلك احتجاجا علي انتشار الصورة الشهيرة للفتاة التي سحبها بعض من الجنود من ملابسها فتعرت. وقد كتبت من قبل أن هذه جريمة تستحق التحقيق. مع احترامي لكل المتظاهرات فإن تعبير " خط أحمر " معناه ممنوع الاقتراب من هذا الخط. وما قصده الشعار هنا هو أنه ممنوع الاقتراب من بنات مصر. فسألت نفسي : لماذا البنات بالذات؟ إذا كان المقصود هو منع إهانتهن كما أوضحت الصورة الشهيرة فيجب أيضا منع إهانة الشباب أو الرجال. فالإهانة جريمة سواء تم ارتكابها ضد رجل أو امرأة. وقد تم سحل وضرب عشرات المتظاهرين الرجال زملاء الفتاة، ولم يخرج صوت واحد ينادي بأن شباب مصر خط أحمر. إذن فإن " الخط الأحمر " قائم علي سبب جنسي. أن هذه أنثي ممنوع الاقتراب منها. أما الذكر فلا يهم سحله مع تعريته. لماذا؟ هل لأنهم يعتبرون جسد المرأة عورة وجسد الرجل مباحا؟ طيب، إذا كان جسد المرأة عورة فلماذا تنزل المرأة إلي المظاهرات والاحتجاجات؟ ذلك لأنه في مثل هذه الحالات من الوارد جدا أن يتم الاحتكاك بالنساء. وقد تم تسجيل حالات تحرش جنسي عديدة من متظاهرين بنساء في ميدان التحرير بعد يناير الماضي. وهناك حادثة مذيعة التليفزيون المصرية التي اعتدوا عليها وأنقذها ضابط أمن، غير فضائح التحرش بأجنبيات. فما بالكم وبالكن بفتيات يتصدرن المظاهرات التي تشتبك مع قوات الأمن؟ من المعروف أن قوات الأمن لا " تهزر " مع المحتجين. من الصعب علي فرد الأمن في الاشتباك وفض الاحتجاج أن يضبط نفسه فيفرق بين شاب وفتاة. فهو هنا ليس في حصة تربية رياضية. هنا لا أدافع عن قوات الأمن. ولا أدعو بالطبع إلي إهانة البنات. بل هو دفاع عنهن اللواتي يراد لهن أن يكن خطا أحمر. عندما تقرر فتاة أن تقوم بواجب وطني تراه، وتشارك في احتجاج يشتبك مع رجال الأمن فلا يجب أن تميز نفسها عن زملائها الرجال. وعليها أن تفهم أنها معرضة لما يتعرض له زملاؤها. فإذا أرادت أن تعامل علي أساس تمييز جنسي فعليها أن تجلس في بيتها. أقول لبنات الخط الأحمر إن النساء في عهد الرسول محمد (صلي الله عليه وسلم) وفي عهود الخلفاء الراشدين، كن يصحبن قوات المسلمين في معاركها. لم يكن هناك في تلك العهود سحل وتعرية النساء، بل كان ما هو أسوأ وهو سبيهن. أي عندما يتم أسر امرأة تصبح تلقائيا ملكا جنسيا لجيش الأعداء. وكان يتم توزيع السبايا علي المقاتلين. وتدخل المرأة في وضع " ملك اليمين ". أي ممتلكات الرجال. كانت نساء المسلمين يعرفن هذه الحقيقة. ومع ذلك لم يتخلين عن مؤازرة رجالهن في المعارك. وإذا كنا خفن من تبعات هذه المعارك لقعدن في بيوتهن. بل كانت هناك نساء مسلمات مقاتلات وتتقدمن الصفوف علي رأسهن السيدات : فاطمة الزهراء وعائشة بنت أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت الأزور التي اشتهرت بلقب " الفارس الملثم " وأم حكيم بنت الحارث التي أطلق عليها " العروس المقاتلة ".. وغيرهن كثيرات. فلو شعرت أي منهن بأنها " خط أحمر " ما كانت قد نزلت ساحة الوغي. الآن، وبعد قرون من عصر النبوة، وبعد ثورة يناير، نعود إلي سجن الأنوثة. ومن يريد هذا السجن؟ بنات مصر لأنفسهن ! كنت أظن أن هذه دعوة سلفية. لكني فوجئت بأن " السافرات " هن مطلقاتها ولسن "المنتقبات ". ويبدو أن السلفيين يعرفون مشاركة نساء المسلمين في القتال. وفي الوقت نفسه لم أر أية منتقبة في مصادمات وسط البلد! والآن، وبعد أن خاضت قوي التقدم في مصر نضالا طويلا منذ بداية القرن العشرين من أجل تحرير المرأة، وبعد أن خاضت ملايين من النساء المصريات نضالا من أجل المساواة بالرجل، ترغب نساء مصريات في العودة إلي سجن المرأة، وإلي التفرقة بينها وبين الرجل. فينادين بأن البنات خط أحمر. هذا تفكير ذكوري طالما هاجمته ! شيء غريب ! ومن الغريب أيضا أن ينشغل المجتمع بالجنس في وقت الثورة، التي لم تكن ثورة الرجال وحدهم. فإذا أرادت بنات مصر أن يكن خطا أحمر فعليهن أن يحفظن أنفسهن ويتركن الثورة للرجال. لذلك فإن "خط أحمر " لا يعبر عن رغبة في حماية البنات، ولكنه يعبر عن قصور في الوعي، وجهل بالتاريخ، ويدل علي جانب من جوانب التخلف التي لا يزال المجتمع المصري يعاني منها. فالثورات ليست فيها خطوط حمراء. وتقدم المجتمعات لا يمكن أن يصنعه الرجال وحدهم.