قامت الدنيا ولم تقعد لمجرد أن مجموعة من قضاة التحقيق معهم عدد كبير من رؤساء ووكلاء النيابة العامة قاموا بحملة تفتيش لمقار عدد من مكاتب بعض المراكز الحقوقية ومراكز حقوق الانسان الأجنبية والمصرية للتحقيق في عدد من البلاغات التي تلقتها النيابة ضد بعض هذه المراكز اما لأنها تعمل في مصر دون اي ترخيص رسمي أو لتلقيها أموالا بصورة غير قانونية من دول أجنبية أو لانتهاكها القوانين المصرية. الحملة تمت بمشاركة كاملة من السلطات القضائية تعاونها قوات الشرطة والجيش بناء علي بلاغات تم تقديمها الي النيابة بعضها قدمه عاملون في تلك المراكز- وبخاصة المعهدان الديمقراطي والجمهوري الأمريكيان - الذين أكدوا ان لديهم شكوكا في علاقة هذين المعهدين بالمخابرات الأمريكية وهو ما ورد علي لسان المديرة السابقة لبرامج الحملات الانتخابية في المعهد الجمهوري السيدة دولت عيسي وهي مصرية أمريكية ظهرت في حلقة من برنامج "الحقيقة" علي قناة "دريم" مع الاعلامي وائل الابراشي. العجيب ان الحملة التي بدأت ظهر الخميس الماضي لم تكن قد اكتملت بعد عندما سارعت الخارجية الأمريركية والبنتاجون الأمريكي بالاعراب عن القلق ووصل الأمر ببعض وسائل الاعلام الي الحديث عن تهديدات للمجلس الأعلي للقوات المسلحة من جانب وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا. بعدها اعلن عن استدعاء السفير المصري في برلين من جانب وزارة الخارجية الألمانية لسؤاله عن ظروف الحملة التفتيشية المفاجئة. وشارك في الحملة الضارية علي مصر والسلطات القضائية المصرية وكل من جرؤ علي المشاركة في الحملة بكل أسف الدكتور محمد البرادعي المرشح المحتمل للرئاسة والمدير السابق لوكالة الطاقة الذرية الذي هدد مصر بالويل لأنها فتشت علي مراكز حقوق الانسان التي يعتبرها أيقونات الثورة المصرية اضافة طبعا الي رفاق البرادعي وعدد من أصحاب توكيلات المراكز الحقوقية ومراكز حقوق الانسان من المصريين - وهم الطرف المستفيد - بأسلوب لم يكن يختلف كثيرا عن التصريحات الواردة من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين وكأنهم يرون أن مصر - خلاص - أصبحت تحت الوصاية الغربية وبدت الحملة المسعورة علي مصر كأنها ارهاصة لمن ينتظرون علي أحر من الجمر الاعلان الرسمي للوصاية الأميركية الغربية علي مصر. وعلي رغم أنه لم يصدر اعلان رسمي من المجلس الأعلي للقوات المسلحة حول هذا الموضوع الذي أكدت الحكومة انها لاعلاقة لها به لأنه موضوع يتعلق بالسلطة القضائية فان وسائل اعلام مصرية - بكل أسف - تسرعت بالاعلان عن ان المجلس الأعلي للقوات المسلحة وعد واشنطن بوقف الحملة واعادة الأوراق وأجهزة الكمبيوتر التي تم تحريزها. يا هؤلاء ما أعلمه - حتي اليوم - أن الشعب المصري لم يقبل بعد بفرض الوصاية الأميركية.
أعجبني ولم يعجبني : لم أكن قد شاهدت الحلقة التي حاول فيها الاعلامي محمود سعد ان يستنطق فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية حول شهيد دار الافتاء الشيخ عماد عفت الذي استشهد في ظروف غامضة خلال المظاهرات في شارع مجلس الوزراء لكن اليوتيوب ساعدني علي متابعة تلك المحاولة وكيف كان المفتي واضحا وهو يلقنه درسا قاسيا بكلمات بسيطة. سأل سعد فضيلة المفتي : ماذا أردت أن تقول بتصريحك ان دم الشيخ عفت لن يضيع هدرا ؟ .. قال الشيخ الحكيم : لم أقل ذلك أصلا لكن الكارثة ان الانفلات الاعلامي جعل أي أحد يقول أي شيء في أي وقت. ولأننا لا نعرف الحقيقة الكاملة بشأن كيفية استشهاد الشيخ عماد عفت فان علينا الانتظار حتي لا نهرف بما لانعرف .. وعليه فقد أعجبني الموقف الرائع للشيخ علي جمعة ولم يعجبني بالمرة موقف الاعلامي الزميل الذي أعتقد أنه لا يجد وقتا كافيا لمراجعة مواقفه " القديمة والوسطي "علي اليوتيوب الذي أصبح بمثابة أسهل أرشيف تلفزيوني للحكم علي مواقف الجميع ومنهم بالطبع الزميل محمود سعد. ويذكرني هذا بتعبير "المتحولون " و "المتلونون "خصوصا في الصحافة المكتوبة من هؤلاء الذين كانوا يسبحون بحمد النظام السابق ويتمنون رضاء أقطابه الكبار من أجل الحصول علي صفحة اعلانية من هنا أو هناك أو كارت توصية لهنا أو هناك وهم الآن يقدمون أنفسهم كما لو كانوا الوقود الذي اشعل الثورة المصرية.
معاني مغلوطة :
هناك فارق واضح في المعني اللغوي بين الثورة والتثوير فالفعل ثار هو انطلق أو انفجر من تلقاء نفسه لأسباب داخله أما التثوير ففعله يثور بوضع شدة فوق حرف الواو بمعني يفعل أي يبذل جهدا من خارجه للتفعيل أو التثوير. والمعني اللغوي للفعل ثار في اللغة العربية هو هاج وانقلب وتحول وهو معني ايجابي لأن الأصل في الفعل قلب الأرض حتي تحصل علي ما تحتاجه من أشعة الشمس قبل نثر البذور لتكون الزرعة ناجحة. ومنها الفعل أثار أي قلب الأرض وفي القرآن الكريم يقول المولي سبحانه وتعالي : "كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها". وفي المعني الحديث لكلمة ثورة وثوران فهي التغيير للأفضل من خلال تغيير نظام بنظام آخر لانهاء فساد وأخطاء. أما الفوضي فهي فعل سلبي من خلال نتائج سلبية تؤدي اليها الأفعال التي توصف بالفوضوية. واليوم ونحن نقترب من مرور عام علي ثورة 25 يناير وبحساب الحصاد النهائي لما جري في مصر من الناحية الاقتصادية نجد أن البورصة المصرية تكبدت خسائر رأسمالية تبلغ 194.4 مليار جنيه وخسارة مؤشرها الرئيسي 49.3٪ بعد أحداث لم تشهدها منذ تأسيسها في عام 1883 نتيجة أعمال عنف وانفلاتً أمنيً شديدً مما أدي الي هروب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وهروب السياح وهبوط العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي ( بلغ سعر الجنيه المصري ستة جنيهات و72 قرشا بانخفاض نحو جنيه كامل قبل 25 يناير حيث كان يبلغ خمسة جنيهات و75 قرشا ). وخفضت مؤسسة افيتشب العالمية يوم الجمعة الماضي التصنيف الائتماني لمصرللمرة الثانية ، بسبب ما أسمته تراجع الاحتياطيات الدولية للبلاد الي أقل من 18 مليار دولار من 36 مليارا دولار قبل 25 يناير واستمرار الاضطرابات السياسية، كما خفضت تصنيف المصدر الاقتراضي بالدولار للأجل، والجنيه للأجل الطويل، ومنحت نظرة مستقبلية سلبية لكلا التصنيفين.ويري الخبراء الاقتصاديون أن التصنيف الجديد سيعني عبئا إضافيا علي عملية إصدار السندات الدولارية، إذ ستضطر الحكومة لزيادة العائد عليها، مما يعني مزيداً من الأعباء والضغوط علي ميزانيات وماليات الحكومة. الغريب والعجيب والمثير للريبة ان من يزعمون أنهم رموز الثورة يعتبرون أن أي حديث عن الخسائر لا يصدر الا من أعداء الثورة !؟. يبقي السؤال بالمعني السابق ايضاحه : هل ما نحن فيه ثورة أم تثوير أم فوضي ؟ ! اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.