عند مطلع شمس 2 يناير 2941 سلم أبوعبدالله اخر ملوك غرناطة مفاتيحها الي الملك فرديناند المنتصر.. سار وحيدا يجهش بالبكاء علي ملكه الزائل فقابلته امه قائلة كلمتها الشهيرة »أجل عليك ان تبكي بكاء النساء علي ما عجزت أن تدافع عنه دفاع الرجال«. وهكذا سقطت دولة عظمي. وكانت الفرقة والقتال علي الملك وتقديم المصالح الخاصة هي أهم اسباب الهزيمة.. ومن يومها لم يتعلم العرب الدرس كأنهم لا يقرأون واذا قرأوا لا يفهمون. سقطت العراق وتم تقسيمها وسقطت السودان وتم تقسيمها واليمن في الطريق ومن قبل لبنان وفي المخطط سوريا وبالطبع الأهم والاكبر والجائزة الكبري لنجاح أي مخطط للمنطقة العربية.. تاج العلاء في مقدمة الشرق »مصر«.. هل ترونه خيال كاتب؟ انا اراه غير ذلك.. ان انقسام أي دولة وانهيارها يبدأ باستقطاب ديني وعرقي ثم يشوه كل طرف الاخر مستعينا بجرائد وقنوات تليفزيونية ومذيعين لهم قبول عند الناس.. ثم تمويل خارجي لكل طرف، كل حسب مصلحته واتجاهه.. ثم استقواء بالخارج وطلب المساعدة.. فتدخل أجنبي فاحتلال وتقسيم.. انه الكتالوج المشهور والمستخدم منذ فجر التاريخ باختلاف الوسائل قديمها وحديثها.. يوغسلافيا والاتحاد السوفيتي اقرب الامثلة الاوروبية علي ذلك.. كنا في أيام الثورة الأولي يدا واحدة.. مسلمين ومسيحيين.. لا دينيين.. شعب وجيش.. الجميع مصريون.. لذلك نجحت الثورة نجاحا باهرا اذهل العالم بل ومن قاموا بالثورة نفسها وفي الشهور التالية للثورة تغيرت الأمور وانفرط العقد وتبعثرت حباته ودون الدخول في تفاصيل والاسباب لانها كثيرة ومعقدة وتحتاج لكتب لا مقالة.. سنصف ما وصلنا إليه.. وانقسم المجتمع.. أولا إلي مسلمين ومسيحيين.. ثم جيش.. وشعب.. ثم التحرير والعباسية.. ثم زاد التقسيم.. المسلمون السنة إلي صوفيين واخوان مسلمين وسلفيين.. ورغم ان الاختلاف كان سياسيا إلا انه اختلاف.. ثم الليبراليون إلي فرق واحزاب كل تحالف مع مصلحته.. لا غبار ما دمنا دخلنا لعبة السياسة.. انما ما اذهلني ان الاختلاف بدأ يدخل منحي اخر.. المنحي الذي قسم العراق والآن اليمن فقد فوجئت بأحد البرامج ذات المشاهدة العالية بالمذيع يستضيف اثنين من السنة واثنين من الشيعة »كلهم مصريون«.. وكما في برنامج الاتجاه المعاكس المعروف والمشبوه النية والتمويل.. بدأت الحرب الكلامية بين الطرفين والمذيع يؤجج الصراع.. وتطايرت كلمات من نوعية »عد الي الله« و»انت كافر« الخ.. غلي الدم في عروقي وارتفع ضغطي المرتفع اصلا.. هل وصل بنا الحال في هذا الوقت العصيب من عمر الوطن والذي نحتاج فيه الي الاتفاق - حتي علي المبادئ الحافظة له - ان نبيع مصر من أجل الاثارة ونسبة اكبر من الاعلانات؟! هل فعلها بحسن نية؟! كارثة.. بسوء نية.. الكارثة أكبر.. ماذا يريد هو والذين يسيرون معه في نفس الاتجاه.. ان تسقط مصر؟! ان تتحول الي لبنان اخري؟! اعوذ بالله من ان يراد لها ذلك.. فإذا اضفنا الي الصورة اللقاءات الغريبة للمهندس نجيب ساويرس.. ومطالبته للدول الأجنبية بتمويل وحماية الاقلية المسيحية في مصر اسوة بما تقدمه السعودية وقطر للتيار الاسلامي فإننا سائرون الي المصيبة نراها جميعا ولكننا لا نفعل شيئا.. ولن احلل كلام ساويرس الآن رغم صدمتي فيه.. وهل يفعل هذه الاشياء المتواترة بوعي أو بدون.. المهم انه يفعلها ويخيب آمال الكثيرين فيه.. وانا منهم.. اقول لكل هؤلاء الشعب لن يرحمكم ولا تظنوه سهلا ساذجا لا يفهم انه اكثر ذكاء ووعيا وحبا لمصر منكم جميعا.. قد تجدون فيه الفقير الذي يأكل الفول والبصل كما ذكر المهندس ولكن من أكل الفول والبصل طوال عمره هو من بني الاهرام وطرد الغزاة وحفر القناة وعبر في اكتوبر وقام بالثورة في يناير.. هذا الشعب اعظم منا جميعا واكثر نبلا وكرامة وشجاعة مات ابناؤه دفاعا عن مصر دون انتظار المقابل.. لا كراسي في برلمان.. ولا استثمارات ولا قنوات تليفزيون.. يرفض أي تطرف.. اسلاميا أو مسيحيا أو ليبراليا لان الله خلقه هكذا.. الشعب الذي بكي عند حريق الاوبرا وهو لم يشاهدها.. شعب عظيم.. الشعب الذي مشي بمئات الألوف في جنازة نجيب محفوظ.. شعب عظيم قادر علي البقاء والانتصار علي كل من تسول له نفسه اهانته أو تكميم افواهه أو سلب حريته.. سوف تقف مصر وشعبها مرفوعة الرأس.. فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها أو كما قال المتنبي: إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم.. فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم.