يبدو انه قد كتب علي جماعة الاخوان تكرار الاخطاء التي تدفع بها الي الصدام ومواجهة الاخطار. ربما يعود ذلك لضيق الأفق وعدم القدرة علي التعامل بمنطق السياسة- الذي يميل للمرونة والأخذ والعطاء لتحقيق التوافق الوطني حول القبول بها. انها تعمل دائما ونتيجة لهذا القصور.. للسعي إلي الصدام الذي يعرضها لدورة جديدة من الدمار والمعاناة. هذا الكلام ليس تحليلا أو تحاملا ولكن تعكسه التجارب المريرة التي صاحبت ظهور الجماعة بهدف القيام بالدعوة ثم تحولها بعد ذلك لممارسة النشاط السياسي. بدأت سياسة التصدي لأنشطتها وتنظيماتها في أعقاب تبنيها للعنف من خلال اعضاء التنظيم السري الذي تم تشكيله للقيام بهذه المهام. كان الصدام الأول مع النظام الملكي رغم ما ابداه الشيخ حسن البنا من تقدير وتكريم في تصريحاته للملك فاروق. وقعت الطامة الكبري باغتيال رئيس وزراء مصر محمود النقراشي. وفي اعقاب ذلك وجد النظام الحاكم في عهد رئيس الوزراء إبراهيم عبدالهادي ان الوسيلة الوحيدة لاجهاض هذه النزعة الاجرامية هو اغتيال زعيم الجماعة حسن البنا من خلال جهاز البوليس السياسي الذي تحول بعد ثورة 25 إلي جهاز لأمن الدولة. كان الأمل أن تؤدي هذه العملية إلي تصفية الجماعة وإنهاء وجودها وهو ما لم يحدث حيث واصلت نشاطها سرا. ورغم ما قيل عن انتماء جمال عبدالناصر زعيم ثورة 1952 للاخوان.. إلا أن ذلك - ونتيجة لغياب الادراك السياسي السليم- لم يمنع صدام الجماعة مع هذه الثورة. حدث ذلك نتيجة محاولات السيطرة والهيمنة وفرض وجودها علي المسيرة الثورية. وفي ظل تدهور العلاقات بعد وقوع حادثة المنشية عام 1954 التي استهدفت محاولة اغتيال عبدالناصر واتجاه أصابع الاتهام إلي جماعة الاخوان المسلمين.. فقد تم اتخاذ هذه الحادثة لتبرير عملية تصفية كاملة للاخوان تمثل ذلك في الزج بعشرات الآلاف منهم في السجون والمعتقلات بينما هرب بعضهم الي البلاد العربية خاصة السعودية. ورحل الزعيم جمال عبدالناصر وتولي الحكم الرئيس أنور السادات الذي واجه بعض المشاكل مع التيارات اليسارية. لمواجهة هذا الموقف العدائي لجأ إلي فتح السجون لخروج الاخوان علي أمل التصدي لليساريين كما سمح للعديد من المتواجدين خارج مصر بالعودة وممارسة حياتهم وأنشطتهم. كان يعتقد ان الإخوان سوف يحفظون له هذا الجميل ويتعاونون معه بعيدا عن التآمر. ولكن لم يحدث ما تمناه حيث بدأت الجماعة وبعض التنظيمات التي خرجت من باطنها في معارضته وانتقاده وتوجيه التهديدات والتآمر. وتطورت هذه العلاقة المتوترة للجنوح الي الغدر لينتهي الأمر باغتيال أنور السادات الذي اتاح لهم الحرية والعودة إلي أرض مصر من الهجرة الاجبارية. وفي عهد حسني مبارك اقدمت الجماعة وتنظيماتها علي اغتيال بعض رموز النظام ومحاولة اغتيال البعض الاخر. كانت أشهر مؤامراتهم محاولة اغتيال مبارك اثناء هبوطه في احد المطارات الحدودية مع ليبيا.. وتكرر ما سبق وحدث من قبل حيث جرت عمليات التضييق علي الجماعة ورموزها وتلفيق القضايا للزج بهم في السجون وهو ما يجعلنا نقول »عادت ريمة لعادتها القديمة«. وفي 52 يناير اتيحت فرصة العمر للاخوان المسلمين بركوب موجة الثورة بعد أن تأكد نجاحها. ساعدهم علي هذا التحرك أن الثورة التي قام بها الشباب غير المنتمين للإخوان لم تكن لهم قيادة تجمعهم. تكشف ذلك في صدور التعليمات لكوادر الإخوان بعدم النزول الي ميدان التحرير في الايام الأولي للثورة انتظارا وترقبا لما سوف يحدث. تكرارا لما سبق وحدث في كل المرات السابقة وبعد أن اتاح لهم المجلس العسكري الذي تولي شئون الدولة.. عودتهم إلي الحياة مرة اخري يعود السؤال من جديد: هل يمكن أن يتوافر للجماعة الذكاء الكافي لتجنب ما سبق ان تعرضوا له في كل المرات السابقة؟.