كانت بريطانيا تريد الإبقاء علي النظام الملكي في »المستعمرة«: مصر، علي الأقل لأن هذا النظام كان طوع أمرها. الولاياتالمتحدة اقتنعت بأن الملك فاروق ليس قادراً علي الارتفاع إلي مستوي آمال شعبه، وأن الضباط الأحرار هم الأقدر علي ذلك. أرسلت الولاياتالمتحدة أحد موظفيها المهمين في وكالة ال سي آي إيه »كيرمت روزفلت« حفيد وقريب رئيسين سابقين: تيدور و فرانكلين روزفلت الخبير في قضايا منطقة الشرق الأوسط، والذي نال شهرة كبيرة بعد نجاحه في عملية اسقاط محمد مصدق رئيس وزراء إيران المعارض للشاه.. آنذاك. في مارس1952.. طار كيرمت روزفلت إلي القاهرة في مهمة سرية للاتصال بالضباط الأحرار في الجيش المصري لتأييد الولاياتالمتحدة لحركتهم من جهة وللاطمئنان علي المصالح الأمريكية في مصر من جهة أخري في حال نجاح انقلابهم علي الحكم الملكي. لم يبدأ روزفلت مهمته من فراغ. فقد سبقه فريق من الأمريكيين قاموا بالتمهيد لها، منهم دبلوماسي في السفارة الأمريكيةبالقاهرة وليام ليكلاند وعدد من رجال وكالة المخابرات المركزية أبرزهم:ميلز كوبلاند، بالإضافة إلي مراسل القناة التليفزيونية الأمريكية: سي بي إس CBS فرانك كيرنز. أقام كيرمت روزفلت في القاهرة بضعة شهور انتهت بعودته إلي واشنطون في بداية شهر يوليو 52 وبعد وصوله صرح بأن »كل شيء علي مايرام« وأبلغ الإدارة الأمريكية أن الإنقلاب العسكري المصري سيتم قبل نهاية شهر يوليو (..). وبالفعل نجح الضباط الأحرار في تنفيذ انقلابهم في يوم 23يوليو، وإسقاط النظام الملكي بتنازل الملك فاروق عن العرش، وإعلان النظام الجمهوري في مصر. وقتها تساءل البعض عن حقيقة الدور الذي لعبته الولاياتالمتحدة في دعم وإنجاح الثورة المصرية؟! الإجابة عن السؤال تعددت وتناقضت. فمثلاً.. ميلز كوبلاند عظّم من هذا الدور زاعماً أن الولاياتالمتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ الانقلاب، أما كيرمت روزفلت فقد قلل كثيراً من الدور الأمريكي قائلاً: [يجب ألاّ يتصور أحد في الإدارة الأمريكية أنه انقلابنا. فالدور الأمريكي لا يزيد علي فتح قناة اتصال مباشرة لا تمس حرية خيارات الضباط الأحرار ولا تتعارض مع قراراتهم وتوجهاتهم]. أما الإجابة الثالثة الوسطية بين الأولي والثانية فكانت أكثر حياداً وأقل تفاخراً، وتقول: [كل ما حققه الدور الأمريكي في ثورة يوليو52 هو أنها كانت علي علم مسبق بتوقيتها، وأنها في الوقت نفسه كانت مؤيدة ومشجعة علي قيامها.. هذا في حد ذاته كان كافياً لتبادل الثقة بين الجانبين]. تضاعف سخط وغضب البريطانيين مما حدث. سخطهم علي إسقاط حليفهم الملك فاروق، وغضبهم علي الولاياتالمتحدة التي خدعت لندن وتسعي حالياً إلي إبعاد بريطانيا عن مصر التي يكرهها شعبها وإحلال محلها وسط نفس الشعب الذي فتح صفحة بيضاء معها. .. وللحديث بقية.