خلال صيف 9002، وسط صخب اعلامي بحل البرلمان، وكان ذلك علي وشك أن يتم، اجتمع عدد من اعضاء البرلمان السابق (5002 - 0102)، لتأسيس جماعة سياسية جديدة استقر علي تسميتها بناء علي اقتراصي ب:»مصريون من أجل انتخابات حرة سليمة«. وخلال مداولات عمل هذه المجموعة، اقترحت ان ينص في قانون الحقوق السياسية الذي أعددنا مشروعاً متكاملا له، أن تقوم القوات المسلحة بالاشراف علي تأمين الانتخابات البرلمانية القادمة. إلا أن الغالبية رفضت هذا الاقتراح علي اساس ان هذا اقحام للجيش في الحياة السياسية. وحاولت شرح وجهة نظري بأن هذا يتسق مع الدستور بأن الجيش عليه حماية الدستور والشرعية الدستورية، وأن هناك نصا علي ضمان تأمين العملية الانتخابية علي المستوي الأمني، وتمكين الناخبين من الادلاء بأصواتهم، وتمكين القضاة من عملهم، وحماية صناديق الانتخابات ومواجهة البلطجية بحسم، مع تحييد كامل للشرطة التي تجاوزت وظيفتها الأمنية إلي وظيفة أخري سياسية وغيرها، واصبحنا امام دولة بوليسية!! ولكنني» لم أوفق آنذاك في أقناع زملائي المحترمين من جميع القوي السياسية التي تبدو نشيطة الآن، وشاركت في هذه الانتخابات، وتؤيد الآن دور القوات المسلحة في تأمين وسلامة العملية الانتخابية! أردت من هذه الاشارة، للقول بأن المجلس العسكري تعهد بالاشراف علي تأمين العملية الانتخابية، ووصل التعهد الي رئيس المجلس العسكري المشير محمد طنطاوي الذي قال انني اتعهد »شخصيا« بهذه المهمة، وأن تمر الانتخابات بسلام ودون اخلال بالأمن، وبتعاون كامل مع الشرطة. وصدر هذا التعهد عم السيد المشير، بعد أن عاد ميدان التحرير الي اشعال الموجة الثانية للثورة، وكان من بين مطالبه اسقاط المجلس العسكري والغاء الانتخابات وتشكيل حكومة إنقاذ وطني ومجلس رئاسي مدني.... الخ.. وأراد المجلس العسكري إثبات مصداقيته، فأصر علي اجراء الانتخابات في موعدها، وأنه لن يؤجلها ولن يلغيها، وبالتالي أصر علي التأمين الكامل للعملية الانتخابية وصلت الي »عسكري صاعقة« امام كل لجنة فرعية وعددها (63581) لجنة. واعتبر ذلك نقطة إيجابية تحسب للقوات المسلحة والمجلس العسكري بطبيعة الحال، وأتصور أن هذه المبادرة التي طالما ناديت بها اصبحت سابقة مهمة تستدعي الاستمرار الي ان تختفي من الوجود الدولة البوليسية من جانب، وتستقر العملية الانتخابية، وانقضاء المظاهر السلبية المصاحبة للانتخابات من بلطجة ومال ونفوذ وقبليات - الخ. أن ما شاهدناه في اليوم الاول للانتخابات (82/11)، واليوم الثاني (92/11)، هو بداية موفقة رغم اعتراضي الكامل علي هذه الانتخابات من الاصل وعدم مشاركتي فيها، بل ومطالبتي بمقاطعتها لاسباب سبق الخوض فيها فدور القوات المسلحة في تأمين الانتخابات بكثافة شديدة حال دون وقوع مجازر او حرب أهلية او عمليات عنف كبري حتي الان. ولكنني الاحظ من خلال خبرتي السياسية أن هذا الهدوء نسبي، ولا يمكن القياس عليه، ومن الطبيعي في التحليل السياسي أن يؤخذ بحذر. وليس من العقل ان نسير مع الهوجة الإعلامية باعتبار ما يحدث، هو »عرس للديموقراطية«، فهي أوصاف لا تتوافق مع ما يعتبر »هدوءًا حذراً«، فالامر الهام هو التعامل مع ما يحدث باعتباره مقدمة قد تصل الي خاتمة وقد لا تصل، ومن ثم فإن رؤية المسائل بشكل موضوعي مجرد وبعيداً عن العواطف التي يتميز بها الشعب المصري حين يفرط الثقة في البعض ثم يصدم فيهم، فتحل الكارثة، وهنا يأتي دور »عقلاء الامة« الذين ينبهون الي مخاطر ذلك.. ومن ثم فإن الرؤية الصحيحة في تقديري هي اعتبار ما يحدث الآن، هو: »الهدوء الحذر« الذي قد يسبق العاصفة، لا قدر الله، او يكون مقدمة لميلاد ارادة شعبية حقيقية نقدرها ونحترمها وننحني لها بعد الله سبحانه وتعالي، برغم ما قد تفرزه من نتائج قد لا يا نميل لها. كذلك فإن المشكلة الاساسية التي تبدو أمامنا، تتمثل في »التعبئة الشعبية« والتي تتمثل في الدفع بالجماهير الي صناديق الانتخابات وسط حماسة معينة استخدمت فيها كل الأدوات والشعارات سواء في الاستفتاء (مارس 1102م)، أو في هذه الانتخابات البرلمانية (نوفمبر 1102 - يناير2102). فماذا لو كانت هذه »التعبئة الشعبية« علي خلفية الثورة، تمت في إطار الخيار بين (تعديلات علي دستور 1791) أم دستور جديد؟!. وماذا لو كانت هذه الانتخابات لاختيار الهيئة التأسيسية للدستور الجديد، كما حدث في تونس؟! ومن خلال هذا الاختيار تتأسس المؤسسات الديموقراطية بعد ذلك وخلال فترة أنتقالية لمدة عامين. اتصور أن الحماس الشعبي الموجود، لم يحسن المجلس العسكري ولا القوي السياسية الفاعلة التعامل معه او توظيفه في خدمة انشاء نظام ديموقراطي جديد. بل علي العكس، تم توظيفه بطريقة خاطئة علي أساس ان نظام مبارك باق، برموزه (حيث لم يتم العزل السياسي)، وبسياساته (التي لم تتغير حتي الآن) وبقواعده (حيث لازالت مقاومة الفساد بعيدة المنال إذا بقي نظام مبارك، وكذلك علي أساس ان الثورة المصرية الشعبية لم تحدث بعد!! فالثورة هي التغيير الجذري لنظام سياسي كامل وأوضاع كاملة، وليس مجرد اصلاحات قد تبدو شكلية، وهدفها الاساسي هو استمرار النظام القديم في ضوء تنقيحات كلها تحت السيطرة (نيولوك)!! في وسط ذلك كله، كانت التعبئة للمساهمة الشعبية في هذه الانتخابات تسير علي قدم وساق. فتم توظيف رموز الدين (شيخ الازهر، والمفتي وحتي الشيخ يوسف القرضاوي) باعتبار أن غير المشارك في الانتخابات هو كاتم للشهادة، ومن ثم فهو آثم!! وهؤلاء رموز للدولة تم توافقهم مع الجماعات الدينية المختلفة التي تمارس السياسة! كما ان التعبئة جرت بأسلوب عقابي للناس، بالنص في المادة (04) من قانون الحقوق السياسية، بمعاقبة كل من لا يذهب الي صناديق الانتخاب بدفع غرامة (005) جنيه، تعادل الحد الادني للاجور!! وهو اسلوب خطير وخطأ، لانه لا عقوبة علي عدم ممارسة الحق العام، وهو نص غير دستوري لن اسكت عنه. لان إبداء الرأي بأي وسيلة حق دستوري عام للمواطن، وأحد مجالاته المشاركة في الانتخابات، لا يمكن معاقبة من لايسهم بالابداء عن رأيه، فهذه طبيعته، ويندر أن يوجد ذلك النص في النظم الديمقراطية المستقرة. فأن الأمل معقود علي التعبئة الشعبية الحقيقية والارادية الحرة، دون مؤثرات من هنا وهناك، حتي تأتي الإرادة الشعبية حقيقية وتتجسد في صندوق انتخابات حر وسليم وخال من الاخطاء. لقد شاب الانتخابات الحالية، عدد من الاخطاء، ولكن حال عدم اتمامها لأي سبب، فإن العودة الي مربع انتخاب الهيئة التأسيسية للدستور الجديد، هو العود الحميد والذي نتوقعه حتي لا نري ثورات جديدة قد تعصف بالاخضر واليابس، وقد نجد - وهذا ما لا نتمناه - البعض ممن ركبوا الثورة أو سرقوها أو وظفوها لحسابهم السياسي، وقد اينعت رؤوسهم علي مشانق، لا نعرف مداها!! ولازال الحوار متصلا.