عندما يتقدم ضابط شرطة برتبة ملازم ويشق الصفوف بحماس جندي يتحفز لاصطياد أحد أفراد العدو في جبهة القتال، ثم يصوب بندقيته بدقة فائقة ليصيب شابا في عينه بالخرطوش او الرصاص الحي وبعد ذلك ينال استحسان وتهنئة زملائه من الضباط والمساعدين الي حد أن يطلق أحدهم صيحة الانتصار قائلا.."جت في عين الواد..الله ينور يا باشا"؟!..يصبح من الواجب التحرك الفوري لإنقاذ الشرطة من نفسها وإنقاذ هذا البلد من جهاز الشرطة. فمن الواضح أن ارتكاب جريمة بشعة بهذا القدر من التعمد والقصد والعلنية من ضابط في مقتبل حياته العملية ، وبعد ثورة 52 يناير التي تمنينا أن تكون قد أعادت كرامة المصريين وحقوقهم المهدرة ، فضلا عن استحسان الجريمة من زملاء الضابط المجرم ، يثبت أن هناك خللا في صلب وجوهر العقيدة المهنية يستلزم وقفة جادة مع هذا الجهاز الذي اصيب الكثير من عناصره بالسادية والسعار فأصبحوا خطرا عليه وعلينا..ومن راقبوا عن كثب سلوك وتحركات وتصرفات الشرطة في ميدان التحرير بالقاهرة وميادين التحرير الاخري بالمحافظات خلال الثورة الثانية أو الموجة الثانية من الثورة والتي بدأت في التاسع عشر من نوفمبر ، لا بد أن يكونوا قد لاحظوا أن عناصر الشرطة لا يكتفون بالتصدي بعنف مفرط وغير مبرر للمتظاهرين ، وإنما يتصرفون بروح انتقامية شرسة وكأنهم يريدون الرد علي هزيمتهم امام الثوار المسالمين العزل يوم الجمعة 82يناير 1102..وظهر ذلك جليا في عشرات المواقف والحوادث التي تستعصي علي الحصر ، ويكفي عدد المتظاهرين الذين فقدوا عيونهم مؤخرا..وإذا اضفنا الي ذلك فشل الشرطة الذريع في إحلال الامن والقضاء علي البلطجة بل وحتي في تنظيم المرور ، فإن مجرد الكلام عن اصلاح أو تطهير أو إعادة هيكلة جهاز الشرطة ، يصبح ضربا من الحرث في البحر ، ومن هنا يتحتم علينا أن نفكر جديا في تسريح الشرطة التي صارت عبئا ثقيلا علينا والبحث عن بديل لها ..فالشرطة ماتت كما أكد لي خبير أمني ، وهو لواء شرطة متقاعد ، وكرامة الميت "دفنه"!!.. وهناك اقتراح بتشكيل ميليشيات مدنية علي غرار الحرس الوطني في الولاياتالمتحدة والتي يمكن تشكيلها من مئات الالاف من خريجي كليات الحقوق الذين تخرجوا ولا يجدون فرصة عمل ..هؤلاء الشباب يمكن تجنيدهم وتدريبهم بواسطة ضباط من الجيش لمدة ستة اشهر ليتخرجوا رجال شرطة مؤمنين وملتزمين بالقانون وحقوق الانسان في تعاملهم مع الجمهور ..وإذا كنا قد تحملنا غياب الامن ، ناهيك عن تعمد اشاعة الفوضي والترويع من خلال إطلاق البلطجية والمسجلين خطر من قبل بعض عناصر جهاز أمن الدولة المنحل، لمدة تسعة اشهر ، وهذا لا يحدث إلا في بلد يتمتع شعبه بدرجة عالية من الامانة والاستقامة والتحضر والضمير، فلا شك أن في استطاعتنا الانتظار لمدة ستة اشهر اخري لنتخلص من هذا الكابوس مرة واحدة وإلي الابد..ولكن لا بد أن اعترف بأن هناك العديد من العناصر الوطنية الشريفة في جهاز الشرطة ولكنها محاصرة او مغلولة اليد أو مستبعدة ، ويمكن الاستعانة بهؤلاء في بناء وتشكيل الجهاز الامني البديل.. واعتقد ان قوي الثورة المضادة نجحت طوال التسعة اشهر الماضية ، وبخبث ودهاء تحسد عليهما، في اللعب علي وتر غياب الامن وتدهور الاحوال المعيشية للمواطنين لدرجة دفعت الكثير من اهالينا البسطاء الي الكُفر بالثورة والصراخ في وجه كل من يتحدث عنها بتساؤل بسيط ومعقول "وماذا فعلت لنا الثورة"؟! ..من هنا تبرز أهمية مطلب الجمعية الوطنية للتغيير الذي توافقت عليه القوي السياسية وشباب الثورة في كل ميادين التحرير بطول وعرض الوطن ، بسرعة تشكيل حكومة إنقاذ وطني مدنية بصلاحيات كاملة يكون من أول مهامها العاجلة إقرار الامن..ومن نافلة القول إن تحقيق الامن سيعيد الثقة في الاقتصاد وينعش السياحة والاستثمار والبورصة ويبعث للعالم أجمع رسالة مفادها ان مصر وضعت قدميها علي طريق الاستقرار والنهضة..تلك هي البداية المنطقية الصحيحة التي ينبغي أن نبدأ بها الآن وفورا لتعويض تسعة اشهر ضاعت منا ونحن ندور في نفس المكان لأننا سرنا مغمضي الاعين ومسلوبي الإرادة وراء مستشارين يتمتعون بقدر كبير من الغباء ، ولن اقول سوء النية، ولكن ثورة ميادين التحرير الثانية لن تسمح لامثال هؤلاء بخداعنا مرة اخري ..فلا يُلدغ مؤمن من جُحر مرتين!!.. وارجو أن يدرك مَن بيدهم الامر أن محاولة القفز علي مطالب الثوار بإعادة استنساخ حكومة عصام شرف العاجزة أو محاولة إعادة انتاج نظام حسني مبارك الفاسد سيكون لها عواقب كارثية لا قبل لنا بها في هذه الظروف الصعبة ..فقد فشلت فلسفة التسويف والعناد وجرفها طوفان الارادة الشعبية العاتية ، ومَن لا يتعلم من التاريخ القريب ومن اخطاء من سبقوه فلا يلومن إلا نفسه..