مصر كلها تقف الآن علي حافة هاوية سحيقة توشك أن تسقط فيها فنسقط جميعا، وربما لا تقوم لنا قائمة وربما نعود عقودا للوراء أو نجد أنفسنا في المربع رقم صفر. وكأن الثورة التي دفعنا ثمنها من دم ابنائنا الغالي مجرد حلم حوله الطامعون والمخادعون الي كابوس مزعج! سئمنا من وصف الأحداث الدامية بالأحداث المؤسفة التي ارتكبها مجهولون انشقت عنهم الأرض أو هبطوا من السماء ليعيثوا فسادا فيسقط القتلي والجرحي وتسود الفوضي ويختلط الحابل بالنابل ثم يتبخرون في الهواء فلا تمسك بهم الشرطة ولا نعرف لهم أسماء ولا نري لهم صورا ولا نأمن جانبهم..بنجاح كبير يواصل المجهولون ضرباتهم الموجعة وسط التجمعات الجماهيرية فيحولون أي مسيرة سلمية إلي معركة تسيل فيها الدماء فعلوها يوم28 يناير و يوم موقعة الجمل وفي مسيرة العباسية وفي ماسبيرو وأخيرا في مواجهات فض اعتصام أهالي مصابي الثورة بميدان التحرير بعد انتهاء جمعة تسليم السلطة فعادت أجواء الثورة وعادت المواجهات بين قوات الأمن المركزي والمتظاهرين ما بين كر وفر،واستخدم الأمن العنف المفرط - دون داع- أمام شاشات العالم فسقط منهم 22 قتيلاً حسب ما أعلنته وزارة الصحة وأكثر من ألف جريح وأساء لصورة ثورة مصر المتحضرة السلمية التي لايستحق شبابها أن يعاملوا بهذه القسوة، ورغم أن الصور لا تكذب لكن بيان وزارة الداخلية أكد أن قواته غير مسلحة إلا بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع! إذن فمن أطلق الرصاص علي المتظاهرين ؟ لابد أنهم المجهولون الذين اعتلوا المباني المرتفعة في التحرير وشاهدنا إشعاع الليزر الصادر من بنادق القناصة وهو يصطاد ضحاياه الأبرياء..إن عودة الأمن المركزي للضرب بهذه القوة لا يعني كما يدعي البعض أن الشرطة استردت عافيتها بعد غياب طويل فطالما احتجنا إليها لحمايتنا من البلطجية الذين زادت سطوتهم وجرأتهم وتسليحهم في ظل الغياب الأمني..ولكنها تشير الي ضرورة تغيير أسلوب مواجهة التظاهرات السلمية التي يطلقون عليها أعمال الشغب.. وما بين مطالبات السيسيين بتشكيل حكومة إنقاذ وطني لم نجد أصوات عاقلة تستطيع أن تحقن الدماء الطاهرة..جاء بيان رئاسة الوزراء مؤيدا لوزارة الداخلية ومخيبا للآمال،بينما أكد بيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي عودتهم لثكناتهم بنهاية العام القادم وإتاحة حق التظاهر السلمي ما لم يتسبب في أضرار وأن الانتخابات البرلمانية ستعقد في موعدها خلال أيام..واتخذ وزير الثقافة بدر الدين أبوغازي موقفا شجاعا بتقديم استقالته احتجاجا علي استخدام الشرطة للعنف المفرط ضد المتظاهرين وانسحب المستشار هشام البسطويسي من سباق الرئاسة لنفس السبب وهي مواقف تحسب للرجلين الفاضلين. الحزن يملأ كل مصري يحب بلده ويشعر أن ميدان التحرير ينتهك بالدماء الطاهرة التي تسيل علي أرضه التي شهدت انتصار الثورة..والغصة في الحلوق وقلوبنا تتمزق علي شباب وفتيات رأيناهم عبر الشاشات وهم يضربون ويسحلون وتطلق عليهم الغازات المسيلة للدموع منتهية الصلاحية فيصابون بالاختناق، وتخرق عيونهم بالرصاص الشيطاني ويقتلون بالرصاص الحي ونجد من يتهم المجهول الذي يرتدي طاقية الإخفاء فيرتكب جرائمه ثم يختفي دون أن تطاله يد العدالة. من الصعب التكهن بما سيترتب علي الموقعة الأخيرة التي ستزيد من فجوة الثقة بين الشعب والشرطة في وقت حرج ونحن علي أبواب انتخابات مصيرية ستحدد مستقبل البلاد في السنوات المقبلة، إن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق لا يكفي ما لم تغير الشرطة من أسلوب تعاملها مع المظاهرات السلمية.. يكفينا من العنف ما لاقينا فلنجرب شيئا من ضبط النفس قبل أن نسقط في الهاوية.