لا أدري لماذا تبدو الاجابة صعبة علي أفهام هؤلاء الذين يتصدون اليوم للعمل السياسي والاعلامي وهم يتبارون في تفسير ما جري خلال اليومين الماضيين وتحديدا مساء السبت الأسود والذي لا يمكن وصفه سوي بانه سيناريو أسود للتدمير الخلاق. هو العنوان الحقيقي الوحيد الذي استخدمه الصحفي الأمريكي من أصل ألماني فريدريك ويليام انجدال يوم 5 فبراير الماضي في مقالة له بعنوان: »التدمير الخلاق : ثورة مصر نموذجا« وهو يتحدث عن المخطط الذي تشرف عليه الولاياتالمتحدة بشكل أساسي من خلال مجموعة من المنظمات التابعة لأجهزة المخابرات الأمريكية ووزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين. السيناريو يبدأ بحالة فوضي كاملة في جميع انحاء مصر ثم الدول العربية جميعها تنتهي بفرض الخريطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط الذي سيتم تشكيله من جديد من دويلات عربية مقسمة طبقا للتقسيم الطائفي والعرقي . توقيت ما جري وحده كاف للوصول بنا الي يقين أن هذه الأحداث تغذيها عناصر في الداخل والخارج "القريب والبعيد" . فقد انتهت مليونية 18 نوفمبر "الاسلامية الاخوانية السلفية بشكل اساسي " بكل ما جري فيها ولم ينجح أحد في استغلالها كشرارة للفوضي . ونجح صوت العقل في انسحاب الاخوان المسلمين ثم شباب 6 ابريل ثم السلفيين ورفضوا الاعتصام مفضلين منح الفرصة للأحزاب المختلفة للاستعداد للانتخابات التشريعية باعتبارها هي الخطوة الأولي الضرورية جدا لتحقيق الاستقرار الذي يرجوه ويصلي من أجله كل أبناء الشعب المصري "الطيب". لهذا كان لابد من تصرف سريع من جانب المتآمرين في الداخل والخارج وعليه كان الاعتصام "العبثي " من جهات مجهولة اختارت عمدا ميدان التحرير لاستفزاز الجهات الأمنية للدخول في المواجهة "المنشودة " منذ زمن وبدعم هائل من آلاف المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا موقع تويتر لنقل أخبار لا يملك أحد التأكد منها تتناول مواجهات مفتعلة وعنفا "مفرطا" ثم الحديث عن اصابات باختناقات بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع يتلوها حديث عن استخدام قوات الأمن لرصاص الخرطوش - لم يتم التأكد مطلقا من جهة اطلاق الخرطوش والرصاص المطاطي ولا ننسي كم الأسلحة التي تمت سرقتها من مختلف أقسام الشرطة يوم 28 يناير - ثم الولولة واثارة الفزع وتوجيه النداءات لل "ثوار " بسرعة النزول الي الميدان لانقاذ المصابين وبعدها تتري نفس موجات الفزع يصنعها البواقي المستعدون في الاسكندريةوالسويسوالمنصورة وغيرها من المحافظات المصرية . ومحاولات لاقتحام مبني وزارة الداخلية في القاهرة أو اقتحام مبني مديرية أمن الاسكندرية أو تحطيم مبني محافظة الدقهلية في المنصورة وتحطيم قسم الأربعين في السويس وهكذا . يجري هذا عشية يوم الأحد الذي هو بداية عودة التداول الي البورصة المصرية التي فقدت أكثر من 225 مليار جنيه من قيمتها حتي يكون هناك يقين باستمرار التدهور في البورصة وبالتالي في سمعة مصر الاقتصادية في الطريق الي خفض جديد في التصنيف الائتماني بعد ما فقد احتياطي النقد الأجنبي لدي البنك المركزي ما يقترب من نصفه في انتظار اعلان افلاس مصر عندما يتآكل الاحتياطي من النقد الأجنبي ليصبح غير كاف لتغطية واردات مصر من السلع الغذائية والدوائية لمدة 9 شهور . فيصبح الأمر أنه في حالة عدم نجاح مخطط السبت الأسود في اشعال فتيل التدمير الخلاق فستصبح عملية الانتخابات التشريعية في مهب الريح وبالتالي يتضاءل احتمال تحقق استقرار مرفوض الي حد الكراهة من جانب أعداء مصر في الداخل والخارج . وما قرار وزارة التربية والتعليم بتعطيل الدراسة في المناطق التعليمية للمناطق التي شهدت أحداث العنف في القاهرة سوي بداية واضحة لتواصل حالة اللااستقرار . فهل يمكن اعتبار ما جري بمثابة محاولة من جانب "جهة مجهولة " في اشارة الي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لتضييع الأثر "الايجابي " لمليونية الجمعة 18 نوفمبر علي حد قول بعض كوادر وقيادات الاخوان المسلمين والسلفيين الذين اعتبروا ما جري هو محاولة تخويف الشعب المصري من امكان تأمين انتخابات علي مدي نحو الشهر ونصف ؟. ولماذا لا يسأل هؤلاء الذين خرجوا في استعراض للقوة "المتغطرسة" أنفسهم عما كانوا يتوقعون من مظاهرة مليونية قبل 8 أيام فقط من الانتخابات التشريعية وتهديدات باعتصامات ما لم يتم تنفيذ مطالب بعينها ؟ هل كان المتوقع هو هدوء واستقرار مصر أم ماذا ؟ .. ان أصحاب خبرة بسيطة في العمل السياسي يدركون أن هؤلاء الواثقين من شعبيتهم لم يهتموا مجرد اهتمام بالنزول الي ميدان التحرير وميادين أخري لتهدئة الأمور واقناع الشباب الغاضب الذي لا يفهم كيف يؤدي ما يقوم به من ضرب لهيبة الدولة . كما لم يتحدث أحد من هؤلاء الزعماء السياسيين عن ضرورة وضع مصلحة مصر العليا قبل اي شيء ويحذر من النتائج التي يمكن أن يؤدي اليها هذا الفلتان الأخلاقي قبل الأمني الذي تعيش فيه مصر خلال هذه الأيام السوداء . ملاحظة سريعة جدا : قامت الدنيا ولم تقعد مطالبة بحقوق المصريين في الخارج للتصويت في الانتخابات. والتقط محترفو "الصراخ" الخيط ووجهوا سهام النقد لأي سلطة مسئولة لعدم منح 8 ملايين مصري (تزايد عددهم بعد ذلك الي 10 ملايين) حقهم في التصويت في الانتخابات . لم يدع أحد للتريث والهدوء قبل اتخاد القرار وكسب أصحاب الصوت العالي وصدر القانون علي عجل علي رغم أنه لا توجد دولة علي وجه الأرض تمنح مواطنيها في الخارج حق التصويت في الانتخابات البرلمانية وانما فقط في الانتخابات الرئاسية أو الاستفتاءات فقط. وبعد فتح الباب للتسجيل في قوائم الناخبين من المصريين في الخارج لم يسجل سوي اقل من 300 ألف مصري أسماءهم. واليوم نتساءل " كم لجنة من المطلوب فتحها ليدلي هؤلاء المصريون بأصواتهم في كم سفارة في كم دولة وكيف سيتم تحديد عدد اللجان طبقا لتقسيم مراكز الاقتراع في مصر .؟. وماذا لو رفضت دولة مثل المملكة السعودية علي سبيل استضافة مثل هذه العملية الانتخابية التي قد تشهد منازعات وخلافات بين المصريين ؟.. ومن يفرض علي دولة ما أن تستضيف علي أرضها انتخابات لدولة أخري قد لا تكون مستعدة لاستقبالها؟. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.