منذ عملي مستشاراً إعلامياً لمصر بالسودان قبل انفصال الجنوب وتجمعني صداقة بوزير اعلام دولة الجنوب الحالي الذي اكد لي عبر الهاتف مدي حرص دولة جنوب السودان الوليدة علي أهمية التعاون اعلامياً مع مصر في شتي وسائل الاعلام عبر تدريب الكوادر الاعلامية الجنوبية بمؤسسات مصر العريقة. ان غالبية القادة الجنوبيين الحاليين قد حصلوا علي شهاداتهم الدراسية من مصر وهم يكنون لشعبها كل احترام وتقدير بالاضافة إلي اشتراك مصر وجنوب السودان في اعتزازهم بشهر يناير الذي ولدت فيه ثورة 52 يناير المصرية وأعلنت فيه أيضاً ميلاد دولة جنوب السودان ووعدت الرجل بأن الأيام القادمة سوف تشهد تنامياً إعلامياً في العلاقات بين البلدين يرقي لتطلعاتهم في شتي المجالات المختلفة وعقب انتهاء المحادثة التليفونية تذكرت أثناء عملي بالسودان الرغبة الصادقة التي كنت أشعر بها من قبل السودانيين شمالهم وجنوبهم في مدي حرصهم علي التعاون مع مصر اعلامياً كنقطة انطلاق لباقي المجالات بدون أن أجد تفسيراً منطقياً في إهمالنا وتقصيرنا المتعمد في ان نجعل السودان شماله وجنوبه في أولي سياستنا الخارجية سواء قبل الثورة أو بعدها. خاصة أن الاعلام الاسرائيلي في الآونة الأخيرة قد نجح في التغلغل الاعلامي داخل جنوب السودان وبقية دول حوض النيل في ظل غياب الاعلام المصري وعزوف قادته ومسئوليه والعاملين بوسائل اعلامه عن التواجد الدائم! أو حتي المؤقت سواء تليفزيونياً أو صحفياً أو اذعياً ففي جميع دول حوض النيل الإحدي عشرة دولة لا تجد مراسلاً أو محرراً دائماً لمصر فوق أراضي هذه الدول..الامر الذي دفع اعلام اسرائيل للعب دور مؤثر وفاعل حول اقتناع قادة وشعوب هذه الدول لإلغاء الاتفاقيات المائية التاريخية الموقعة مع مصر والسودان وحثهم علي الانفراد بتوقيع اتفاقية عنتيبي بأوغندا التي تنص علي السماح لهم ببناء السدود المائية سواء رضيت مصر والسودان أو لم ترضيا حتي توزيع المكاتب الاعلامية للدولة لم يكن عادلاً وكان منقوصاً ففي الاحدي عشرة دولة لا يوجد سوي مكتبين فقط بكل من اثيوبيا وشمال السودان وبقية الدول التسع لا يوجد تمثيل اعلامي لمصر رسمي أو حتي خاص. وعلي نفس النهج اتبعت وزارة الثقافة سياسة عدم التواجد في هذه الدول فلا يوجد مركز ثقافي واحد يمثل مصر ويتفاعل ثقافياً مع شعوب هذه الدول التي تكن لمصر احتراماً ثقافياً بلا حدودويقرأون ويشاهدون أعمالاً مصرية قد لا يعرفها أبناء الشعب المصري نفسه ومع ذلك نتعمد عدم الاهتمام ثقافياً بهذه الشعوب. ان مصالح مصر الاستراتيجية وأمنها القومي في دول حوض النيل لا يترك حلها والمحافظة عليها لوزارة الري فالتحديات خطيرة وأكبر من وزارة لوحدها ولا يكفي التمثيل المشرف الذي تلعبه وزارة الخارجية المصرية في مثل هذه الحالات. هذا المنطلق اتوجه للمجلس العسكري ورئيس الوزراء والنائب العام والاحزاب والأفراد المشاركين في الانتخابات المحلية لمحاكمة المسئول عن موت شعب مصر من العطش؟