حتي الاستعدادات لاستقبال عيد الأضحي المبارك وانشغال الآلاف بالاعداد لاستقبال الحجيج القادمين من الأراضي المقدسة لم تمنع الضوضاء السياسية التي لم تتوقف في مصر علي مدي الشهور الماضية التي تصل الي درجة الضجيج أحيانا والصراخ في احايين أخري . وفي ظل هذه الحالة المتواصلة من الضجيج أخذتني مهمة عمل قصيرة الي لشبونة عاصمة البرتغال وتحديدا في ضاحية كيشكايش النظيفة الجميلة الهادئة حيث التأم المؤتمر الدولي العاشر للتبادل الاخباري بحضور ومشاركة نحو 400 من خبراء الاعلام الاخباري التلفزيوني علي مستوي العالم. وعلي رغم أن الجهة الأساسية المنظمة للمؤتمر هي اتحاد اذاعات وتلفزيونات أوروبا المهتمة تأكيدا بالحالة "المأزقية " للاقتصاد الأوروبي بصفة عامة واليوناني علي وجه الخصوص الذي يعيش ورطة غير مسبوقة تهدد بالتخلي عن البقاء في منطقة اليورو وهو الحلم "الكابوس " الذي سعي اليونانيون لتحقيقه بكل ما أوتوا من قوة وهم اليوم يبدون نادمين أشد الندم علي ما فات الي درجة الحديث بصوت عال عن امكان العودة مجددا الي "منطقة الدراخمة" التي يصفها اليونانيون بأنها "كانت علي قد حالهم " وهو نفس ما يفكر فيه بدرجة أو بأخري المسئولون في دولة مثل البرتغال التي تواجه بطالة تبلغ نحو 20 ٪ مما يدفع الناس هناك الي الترحم علي أيام السكودود "العملة القديمة" . أقول انه علي الرغم من ذلك فان الازمات والمشاكل الأوروبية احتلت موقع الهامش في مؤتمر التبادل الاخباري NEWS XCHANGE. وبعيدا عن أن هذا ليس مجال استعراض أهم وأحدث ما توصل اليه العالم في مجال التبادل الاخباري في ذلك المؤتمر فإنني ساركز فقط علي أن أخبار الربيع العربي طغت علي كل الأخبار في هذا المؤتمر لكن الشيء اللافت للنظر أن البعض بدأ يتحدث عن خريف عربي تظهر بوادره ودلائله من خلال استمرار حالات الفلتان والغموض فيما يجري وضبابية المشهد فيما يتعلق بالمستقبل بعدما أصبحت هناك جهات بعينها تركب الموجة لتحقيق القدر الأكبر من الاستفادة من التغيير الفجائي الكامل أو الهوجة الشاملة في المنطقة . ولأنه مؤتمر يتعلق بالاعلام فالحديث تركز علي تلك الحالة من الفلتان الاعلامي الذي بلغ حدا يفوق الوصف الي درجة أنه لا أحد يريد أن ينتظر قليلا ليفكر في هذا الكم الهائل "غير المفلتر" من الأخبار والتعليقات التي تبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي عبر الانترنت مثل الفيسبوك وتويتر مما يؤدي الي انتشار حالات البلبلة وضياع الحقيقة . وهنا دار حوار ساخن حول ضرورة التفرقة بين ما تبثه شبكة التواصل الاجتماعي ففي ظل الفلتان لم يعد البعض يفرق بين ما يبثه شخص ما - أيا ما كان وايا من كان - من أخبار وآراء عبر صفحته علي الفيسبوك مثلا أو تويتر وما يتم تبادله علي الموقع الاليكتروني لصحيفة معروفة أو مجلة لها اسمها وسمعتها . بل يبدو أن السباق نحو المزيد من الاثارة جعل بعض الصحف التي من المفروض انها محترمة ولها سمعتها تلجأ الي التجارة في الشائعات بحثا عن اثارة مشتهاة الي درجة اضطر معها الصحفيون في صحيفة يومية مصرية - علي حد ما وصل الي علمي - الي مطالبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة الي توجيه الاتهام الي رئيس تحريرهم بتهمة نشر الشائعات. ولهذا كان هذا الموضوع تحديدا هو الموضوع الذي اختارته الهيئة المنظمة للمؤتمر ليكون مجالا لمناظرة محتدمة انتهت الي أن ما سيبقي هو الصحافة المحترفة والصحفي المحترف الذي يعرف للكلمة معناها ويفهم أثرها باعتبارها نورا ونارا .. نورا لو حرصت لي صنع الخير ونارا لو عملت علي صنع الشر. وأن الصورة المهتزة علي موبايل أحد الذين نفذوا حكم الاعدام في الديكتاتور العراقي صدام حسين ما كان يمكن ان يكون لها اي تأثير ما لم يكن الاعلام المحترف هو الذي قدمها وفسر معناها ونتائجها وهكذا . واتفق اكثر من 90 ٪ من خبراء الاعلام في المؤتمر علي ضرورة التعامل الحذر مع ما ينقله الهواة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وطالبوا بوجود نوع من القواعد المنظمة للعمل في مثل هذا المجال حتي لا تضيع القواعد في زمن تتآكل فيه كل القواعد والأعراف وتقوض الأسس الأخلاقية . بل ان الدعوة الي ايجاد قواعد واتباع لوائح بعينها اصبحت لدي البعض قضية مكروهة وغير مستحبة باعتبارها نوعا من أنواع الرقابة "المرفوضة طبعا " وكأن العالم في الطريق الي مرحلة اللا قانون واللا قواعد واللا شيء سوي الفوضي التي تمنح أحدهم حق رفض المثول أمام القاضي "بمزاجه" حتي لو كان متهما بسرقة سلاح من منطقة عسكرية .. وحتي اذا أصبح دعاة حرية زواج المثليين من الشواذ في مجتمعنا الشرقي يضعهم الكثيرون علي رأس حماة حقوق الانسان . صورة لها معني : منذ سنوات تابعت عن كثب المحاولات التركية الحثيثة لنيل شرف الانضمام لدول السوق الأوروبية المشتركة التي أصبحت اليوم دول الاتحاد الأوروبي . وقتها كان الاقتصاد التركي يعاني أشد معاناة وكانت تركيا تبدو متأخرة كثيرا في مختلف المجالات عن باقي الدول الأوروبية ماليا وثقافيا وتكنولوجيا واجتماعيا . واليوم وبحمد الله أصبح الاقتصاد التركي يحتل المرتبة الحادية عشرة ضمن أقوي الاقتصادات العالمية وفي الطريق لاحتلال المرتبة السادسة قبل العام 2016 . ولفتت انتباهي الصورة التي جمعت بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة الدول العشرين الأقوي اقتصاديا التي عقدت في مدينة كان الفرنسية . شعرت بأن تركيا في طريقها لاستعادة مجدها القديم يوم كانت عاصمة الامبراطورية العثمانية قبل أن يتآمر عليها الأعداء لاسقاط الخلافة . وتساءلت بيني وبين نفسي عن تلك الترهات التي تتحدث عنها بعض الدول الاوروبية وفي مقدمتها ألمانيا كأسباب لرفض انضمام تركيا الي دول الاتحاد الأوروبي علي رغم أنها حققت كل المقاييس المطلوبة لمثل هذا الانضمام منذ زمن بعيد . والواضح أن السبب الذي لن يختفي مطلقا هو أن تركيا جمهورية اسلامية تبلغ نسبة المسلمين فيها نحو 99 ٪ وهو الأمر الحقيقي الوحيد الذي يخيف اوروبا وليس أي شيء آخر . لهذا فانني أتمني لو أعلنت تركيا اليوم قبل غد أنها هي التي ترفض الانضمام لدول الاتحاد الأوروبي وبالتأكيد سيكونون هم الخاسرين .