خامس يوم من الشهر الفضيل. هلت علينا تباشيره وتمتعنا بما يمنحنا إياه من أشكال الوحدة والاتحاد والتآخي. الكل يصوم حتي الأشقاء المسيحيون الذين لا يصومون، يتناولون طعامهم في نفس الوقت الذي يتناول فيه الصائم طعامه. كنوع من المشاركة والإحساس الجمعي بأننا أبناء وطن واحد. وشعب فريد. شهر من بين 12 شهراً في العام. يتوقف الزمان عنده نؤرخ به لحوادث حياتنا ونستوحي منه كل الأشياء الجميلة التي حبانا بها ديننا. لكن كل هذه المعاني الجميلة لا تمنعني من التوقف أمام الإزعاجات التي نصنعها نحن مع مجيء الشهر الكريم. بدلاً من أن نمتثل له وأن نعيش جوه الروحاني. فإذا بنا نكتشف أننا نمارس نقيض معاني ودلالات الشهر الروحية الجميلة. لا أدري ما هي العلاقة بين الأسعار التي ترتفع في رمضان؟ بعض التجار جشعون في كل زمان ومكان. لا هدف لهم سوي الربح. ودليل نجاحهم الوحيد ضخامة الأرباح. بصرف النظر عن الوسائل. لكن السؤال: أين الدولة التي لابد أن تقف بين فئات المجتمع وتمنع أي فئة من أن تظلم فئة أخري مهما كانت مبررات الظلم؟. وارتفاع الأسعار نوعان. بضائع طارئة لا نتعامل معها إلا في رمضان. وبضائع مستدامة. تتوحد في أن أسعارها في عنان السماء. ربما لعب من يبيع البضائع علي صيام الصائم وعلي تضحيته وعلي رغبته في أن يقدم أهم ما في حياته لأنه في حالة عبادة. حتي وهو في الأسواق. قلنا التسعيرة الجبرية. لوحوا لنا بصندوق النقد الدولي. وتحرير السوق يمنع اللجوء إليها. ولكن هل هناك ما يمنع أن يعطينا رمضان رخصة للجوء إليها خلاله؟ لأن حالة الصيام والإقبال علي الأسواق والشراء المنفرد له ردود أفعال لدي التجار تتلخص في أمر واحد: رفع الأسعار. ومواجهتها تبدأ بتسعيرة: جبرية. استرشادية. ودية. المهم أن تكون هناك تسعيرة. منذ أن جئت للقاهرة والمرور مشكلة المشاكل في رمضان. وكأن الناس لا تنزل الشارع سوي في رمضان. يصل الزحام لما بعد الذروة قبل الإفطار. وخلال وبعد صلاة العشاء والتراويح. من يذهبون إلي المساجد يركنون سياراتهم أمامها. مع أن المشي علي الأقدام نعمة من نعم الله سبحانه وتعالي علي الإنسان. يخبرنا التاريخ أن معظم انتصارات المسلمين تمت في رمضان. وأن أمجد حروبهم خاضوها وهم صيام. فهل نفرح بمجيء رمضان ونطلب من العلي القدير رافع السماء بغير عمد. أن يُمكِّن المسلمين من الخروج من مآزقهم التي بلا نهاية؟ ولا يبدو أن في الأفق حلولاً لها. سواء كانت مشاكل ناتجة عن تصرفات خارجية. أم عن توترات داخلية. يذكرني رمضان بصوت الشيخ رفعت يؤذن المغرب، وتواشيح النقشبندي، التي تجعل من الإيمان غناء. وشعر فؤاد حداد، وألحان وأداء سيد مكاوي للمسحراتي. ثم المسحراتي نفسه، الذي تبخر من حياة المدن. وصوت أحمد عبد القادر مطرب: وحوي يا وحوي. وطلب صاحب: رمضان جانا. لا رمضان بدونهم. تمضي السنون ويتكاثر عددها. يشعرونك بأنك في رمضان ويذكرونك بأن تقول لكل من تراه: كل سنة وانت طيب.