كلمة (أياما) في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ)تدل علي الزمن وتأتي مجملة ، وقول الحق عن تلك الأيام: أنها (معدودات) يعني أنها قليلة ومعروفة، ومن بعد ذلك يوضح الحق لنا مدة الصيام). قول الحق سبحانه وتعالي: »كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَي الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ» يدلنا علي أن المسلمين ليسوا بدعا في مسألة الصوم، بل سبقهم أناس من قبل إلي الصيام وإن اختلفت شكلية الصوم، وساعة يقول الحق: »كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ» فهذا تقرير للمبدأ، مبدأ الصوم، ويفصل الحق سبحانه المبدأ من بعد ذلك فيقول: »أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» البقرة (184). وكلمة (أَيَّامًا) تدل علي الزمن وتأتي مجملة، وقول الحق عن تلك الايام: أنها »مَّعْدُودَاتٍ» يعني أنها قليلة ومعروفة، ومن بعد ذلك يوضح الحق لنا مدة الصيام فيقول: »شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًي لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَي وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَي مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (البقرة - 185) إذن فمدة الصيام هي شهر رمضان، لأنه سبحانه العليم بالضرورات التي تطرأ علي هذا التكليف، فهو يشرع لهذه الضرورات، وتشريع الله لرخص الضرورة إعلام لنا بأنه لا يصح مطلقاً لأي إنسان أن يخرج عن إطار الضرورة التي شرعها الله فبعض من الذين يتفلسفون من السطحيين يحبون أن يزينوا لانفسهم الضرورات التي تبيح لهم الخروج عن شرع الله، ويقول الواحد منهم: »لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» (البقرة - 286). ونقول: إنك تفهم وتحدد الوسع علي قدر عقلك، ثم تقيس التكليف عليه برغم أن الذي خلقك هو الذي يكلف ويعلم أنك تسع التكليف، وهو سبحانه لا يكلف إلا بما في وسعك، بدليل أن المشرع سبحانه يعطي الرخصة عندما يكون التكليف ليس في الوسع وتتجلي رحمة الحق سبحانه وتعالي في قوله: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وكلمة (مَرِيضًا) كلمة عامة، وأنت فيها حجة علي نفسك وبأمر طبيب مسلم حاذق يقول لك: (إن صمت فأنت تتعب) والمرض مشقته مزمنة في بعض الأحيان، ولذلك تلزم الفدية بإطعام مسكين. وكذلك يرخص الله لك عندما تكون علي سفر، وكلمة »سفر» هذه مأخوذة من المادة التي تفيد الظهور والانكشاف، ومثل ذلك قولنا (اسفر الصبح) وكلمة (سفر) تفيد الانتقال من مكان تقيم فيه إلي مكان جديد، وكأنما كلما مشيت خطوة تنكشف لك أشياء جديدة، والمكان الذي تنتقل إليه هو جديد بالنسبة لك، حتي ولو كنت قد اعتدت ان تسافر إليه، لأنه يصير في كل مرة جديداً لما ينشأ عنه من ظروف عدم استقرار في الزمن، صحيح أن شيئاً من المباني والشوارع لم يتغير، ولكن الذي يتغير هو الظروف التي تقابلها، صحيح أن ظروف السفر في زماننا قد اختلفت عن السفر من قديم الزمان، إذ أن المشقة في الانتقال قديماً كانت عالية، ولكن لنقارن سفر الأمس مع سفر اليوم من ناحية الإقامة، وستجد ان سفر الآن بإقامة الان فيه مشقة، ومن العجب أن الذين يناقشون هذه الرخصة يناقشونها ليمنعوا الرخصة، ونقول لهم: اعلموا أن تشريع الله للرخص ينقلها إلي حكم شرعي مطلوب، وفي ذلك يروي لنا جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم في سفر فرأي زحاماً ورجلا قد ظلل عليه فقال: (ما هذا؟ فقالوا صائم، فقال: ليس البر الصوم في السفر) وعندما تقرأ النص القرآني تجده يقول: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَي سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي أن مجرد وجود في السفر يقتضي الفطر والقضاء في أيام أخر، ومعني ذلك أن الله لا يقبل منك الصيام، صحيح أنه لم يقل لك افطر، ولكن مجرد أن تكون مريضاً مرضاً مؤقتاً أو مسافرا فعليك الصوم في عدة أيام أخر وأنت لن تشرع لنفسك، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد نهي عن صوم يوم عيد الفطر، لأن عيد الفطر سمي كذلك لأنه يحقق بهجة المشاركة بنهاية الصوم واجتياز الاختبار، فلا يصح فيه الصوم والصوم في أول أيام العيد إثم.