لا حديث للعراقيين اليوم الا ما اقدم عليه قبل أيام مجلس محافظة صلاح الدين (مسقط رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين) في إعلان قيام "إقليم صلاح الدين" المستقل إدارياً وإقتصادياً. بداية، ان الاكثرية الساحقة من شعب العراق تقف ضد الفيدرالية في العراق بأي شكل كانت. وهذه الملايين منسجمة في هذا مع إيمانها بوحدة الأمة العربية من المحيط الي الخليج. واذا كانت الظروف والتحديات والدكتاتوريات أدت الي تراجع حلم الوحدة في أولويات الشعب العربي في كل مكان، فليس معني هذا اننا نقبل بالتساهل في وحدة الدول العربية نفسها بدءاً من السودان وإنتهاء بالعراق. وقبل ان يتوجه البعض الي لوم مجلس محافظة صلاح الدين ويدعوه الي التراجع عن قرار إعلان المحافظة إقليما ادارياً وإقتصادياً مستقلاً ضمن العراق الواحد، يجب ان يسأل الجميع سؤالاً واحداً هو "أبو الاسئلة": لماذا لجأت محافظة صلاح الدين الي هذا الخيار الذي يتيحه الدستور العراقي الحالي وكانت نفسها من أوائل المعترضين عليه في إستفتاء الدستور؟ وكل الاسئلة الأخري تتفرع عنه، وكل إجاباتها أيضاً تتصل به. نحن نعرف، والعالم يعرف ايضاً، ان حكومة المنطقة الخضراء الفاسدة حكومة طائفية عنصرية قمعية، وهي مولود شرعي للاحتلال الامريكي الذي دمر العراق. ونحن نعرف، والعالم يعرف أيضاً، إنها تمادت في الظلم والطغيان والاغتيالات والاعتقالات والتهميش في محافظات معينة لارغام أهلها علي الهجرة وراء من هاجر الي الخارج أو القبول بالأمر الواقع الاستبدادي الذي إستباح حرمات الناس وأموالهم وأرواحهم وأعراضهم منذ بداية الاحتلال الامريكي والي إنتشار الاحتلال الايراني. وهذه الحكومة الفاسدة تعرف ان شعب العراق شعب عروبي قومي وحدوي يرفض أي دعوات إنفصالية أو تقسيمية تحت مسميات الفيدرالية أو الاقاليم أو تقرير المصير. وهذه الحكومة تدرك ان عرب العراق في كل المحافظات صاروا بين المطرقة والسندان، فإما ان يرضخوا للاستبداد والاستبعاد والاستعباد الطائفي الايراني أو يطالبوا بتشكيل أقاليم شبه إنفصالية علي غرار النموذج القائم في المحافظات الكردية الثلاث. لكن هذه المعادلة غير عادلة ولا إنسانية، وهي مثال صارخ للتمييز العنصري الذي يشابه ما يفعله الكيان الصهيوني في تعامله مع فلسطينيي الداخل وما كان يفعله البيض في جنوب أفريقيا وروديسيا ضد سكان البلاد الاصليين. لقد حرم حكام المنطقة الخضراء المهووسون بالسلطة وولاية الفقيه بعض المحافظات العراقية من حقوقها في ثروات العراق والوظائف والتنمية والاعمار، وفرضوا عليها أحكام الطوارئ ليل نهار. فالاعتقالات لا تتوقف، والتصفيات والاغتيالات مستمرة، وسيف الاجتثاث هو سلاح حكومة نوري المالكي لاضطهاد أبناء العراق بحجج مستهلكة صارت مهزلة وعنواناً لانتهاك حقوق الانسان مهما كان رأيه أو معتقده.. لقد روج مجلس محافظة البصرة جنوبي العراق أو بعض شخصياتها لاعلان قيام إقليم البصرة قبل عامين. ووقف المتمسكون بوحدة العراق الكبير وفي مقدمتهم سكان البصرة الاصلاء وقفة رجل واحد ضد الاقليم المقترح، ففشل قبل إعلانه، لانه ببساطة لا يحل أي مشكلة كما يتوهم دعاته، وإنما علي العكس يخلق مشاكل كثيرة لا أول لها ولا آخر. فالبصرة، أو صلاح الدين، ليست دولة مستقلة صغيرة تريد ان تتنازل عن بعض صلاحياتها السيادية لترتبط بالعراق بنظام فيدرالي كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالامريكية أو المانيا أو الهند حيث لجأت إمارات وولايات ومقاطعات مستقلة الي التوحد مع الدولة في نظام فيدرالي يحفظ لها خصوصياتها ومصالحها في ظل دولة كبري لها جيشها ودستورها ورئيسها. والاستثناء العراقي القابل للنقاش هو المحافظات الكردية الثلاث، فهي كانت شبه دولة مستقلة منذ عام 1991 وحتي إحتلال العراق في عام 2003. ومثلما وقف العراقيون الشرفاء في محافظة البصرة ضد الدعوات المشبوهة لاقامة إقليم البصرة، نحن نثق بأن العراقيين الشرفاء في محافظة صلاح الدين سيحبطون هذه المؤامرة السوداء لتقسيم العراق، ويؤكدون تمسكهم بالعراق الموحد الذي لابد من ان يزيح هذه الزمرة المارقة التي تحكم العراق اليوم. نحن بحاجة الي عودة الوعي الي العراقيين الذين ظُلموا كثيراً في هذه المحافظات وإضطروا الي ركوب الموجة الصعبة علي أنقاض سنوات الاحتلال والحروب والحصار والفتنة والقمع السابق واللاحق. نريد عراقاً بلا عقد ولا أحقاد، يقف علي قدميه من جديد متسلحاً بوعي شعبه الاصيل وعروبته وتاريخه المجيد.