الحق سبحانه وتعالي يعطينا هذه الصورة، أنهم أوقدوا هذه النار لتعطيهم نورا يريهم طريق الإيمان، وعندما جاء هذا النور بدلا من أن يأخذوا نور الإيمان انصرفوا عنه، وعندما حدث ذلك ذهب الله بنورهم، فلم يبق في قلوبهم شيء من نور الإيمان. الحق سبحانه وتعالي يريد أن يعطينا صورة عما في داخل قلوب المنافقين من اضطراب وذبذبة وتردد في استقبال منهج الله، وفي الوقت نفسه ما يجري في القلوب غيب عنا، وأراد الله أن يقرب هذا المعني إلينا فقال: »مثلهم كمثل الذي استوقد نارا» أي حاول أن يوقد نارا، والذي يحاول أن يوقد نارا، لابد أن له هدفا، والهدف قد يكون الدفء وقد يكون الطهي وقد يكون الضوء وقد يكون غير ذلك، المهم أن يكون هناك هدف لإيقاد النار. يقول الحق سبحانه وتعالي: »فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لايبصرون» ذلك أنهم في الحيرة التي تملأ قلوبهم كانوا قد سمعوا من اليهود أن زمن نبي جديد قد أتي، فقرروا أن يؤمنوا به ولكن إيمانهم لم يكن عن رغبة في الإيمان، ولكنه كان عن محاولة للحصول علي أمان دنيوي، لأن اليهود كانوا يتوعدونهم ويقولون أتي زمن نبي سنؤمن به ونقتلكم به قتل عاد وإرم، فأراد هؤلاء المنافقون أن يتقوا هذا القتل الذي يتوعدهم به اليهود، فتصوروا أنهم إذا أعلنوا أنهم آمنوا بهذا النبي نفاقا أن يحصلوا علي الأمن. إن الحق سبحانه وتعالي يعطينا هذه الصورة، إنهم اوقدوا هذه النار لتعطيهم نورا يريهم طريق الإيمان، وعندما جاء هذا النور بدلا من أن يأخذوا نور الإيمان انصرفوا عنه، وعندما حدث ذلك ذهب الله بنورهم، فلم يبق في قلوبهم شيء من نور الإيمان فهم الذين طلبوا نور الإيمان أولا، فلما استجاب الله لهم انصرفوا عنه، فكأن الفساد في ذاتهم، وكأنهم هم الذين بدأوا بالفساد، وساعة فعلوا ذلك ذهب الله بنور الإيمان من قلوبهم. ونلاحظ هنا دقة التعبير القرآني في قوله تعالي: »ذهب الله بنورهم» ولم يقل ذهب الله بضوئهم، مع أنهم أوقدوا النار ليحصلوا علي الضوء ما هو الفرق بين الضوء والنور؟ إذا قرأنا قول الحق سبحانه وتعالي: »هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا» »يونس: 5». نجد أن الضوء أقوي من النور، والضوء لايأتي إلا من إشعاع ذاتي، فالشمس ذاتية الإضاءة، ولكن القمر يستقبل الضوء ويعكس النور، وقبل أن تشرق الشمس تجد في الكون نورا، ولكن الضوء يأتي بعد شروق الشمس، فلو أن الحق تبارك وتعالي قال ذهب الله بضوئهم، لكان المعني أنه سبحانه وتعالي ذهب بما يعكس النور، ولكنه أبقي لهم النور، ولكن قوله تعالي: »ذهب الله بنورهم» معناها أنه لم يبق لهم ضوء ولانور، فكأن قلوبهم يملؤها الظلام، ولذلك قال الله بعدها: »وتركهم في ظلمات لايبصرون» لنعلم أنه لا يوجد في قلوبهم أي نور ولاضوء إيماني، كل هذا حدث بظلمهم هم وانصرافهم عن نور الله. ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالي، لم يقل وتركهم في ظلام، بل قال: »في ظلمات» أي أنها ظلمات متراكمة، ظلمات مركبة لايستطيعون الخروج منها أبدا، من أين جاءت هذه الظلمات؟ جاءت لأنهم طلبوا الدنيا ولم يطلبوا الآخرة، وعندما جاءهم نور الإيمان انصرفوا عنه فصرف الله قلوبهم.