تعرضت المرأة للظلم قديما وحديثا، إفراطا في حجبها والحجر والتضييق عليها، وتفريطا في كشف عورتها بحجة الحداثة والحرية.. ما بين اتهامات جائرة بأنها محور الشر في الكون والسبب في خروجنا من الجنة، ووأدها طفلة كما كانت تفعل العرب، أو إحراقها حية إذا توفي زوجها كما كانت تفعل بعض المجتمعات الهندية، وبين اتخاذها إلهة للخصب والنماء، كما كانت تفعل بعض المجتمعات الإفريقية.. وحده الإسلام حفظ لها كرامتها وصان حقوقها وجعلها شريكًا فاعلا في بناء المجتمعات والأوطان دونما إفراط أو تفريط.. والإسلام بعد هذا ليس مسئولًا عن تراجع عقول المسلمين ونكوصهم عن تعاليمه.. وفي هذا التحقيق بيان لمكانة المرأة ودورها الفاعل في الدين الإسلامي: مسئوليات وطنية يؤكد د. محمد محمود الجبة، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر أن الإسلام أتاح للمرأة الآفاق الرحبة للعطاء والبذل تجاه وطنها ودينها، وأعطاها حقها للمشاركة في مسئوليات المجتمع وواجباته، حتّي تكون شقيقةَ الرجل بحقٍّ في النهوض بالأمة الإسلامية وتربية أجيالها الناشئة.. وأوضح د. الجبة أن التاريخ الإسلامي حفل بذكر عددٍ من النساء اللاتي كان لهن حضورٌ واسعٌ في المُجتمع الإسلامي منذُ ظهوره، حتي تركن بصماتهنّ بأعمالهنّ العظيمة، ومواقفهنّ المشهودة، فأظهر لنا دور المرأة البارز في النهضة العلمية، فلم تكن جاهلةً أو جالسةً في بيتها يقتصر دورها داخله فقط، وإنما كانت معلِّمةً ومتعلِّمةً، ومفتيةً، كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي كان الصحابة يتوافدون عليها يستفتونها في المسائل الشرعية التي تصعب عليهم ولا يعرفون حكمها، فكانت رضي الله عنها تتصدّي للفتوي وتبيِّن مسائل الدين وتفسير القرآن بما ورثته من العلم النبويّ، حتي قيل فيها: إنّ ربع علوم الشريعة الإسلاميّة قد أتي من السيّدة عائشة رضي الله عنها، وهناك الصحابية الجليلة الشفاء بنت عبد الله العدوية التي كانت تُعَلِّمُ نساء المسلمين القراءة والكتابة، وروي أنّ الفاروق عمر رضي الله عنه أوكل لها مهمّة الحسبة ومراقبة الأسواق. حقوق كاملة ويوضح د. أحمد العشماوي، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الإسلام أقر حقوق المرأة كاملة قبل أن تقوم المنظمات الدولية والجمعيات النسائية بالمطالبة بها بأكثر من أربعة عشر قرنا، فالإسلام سابق ومنصف للمرأة بشكل يتسع لحفظ كرامتها وحقوقها من البداية للنهاية، فقد جعل للمرأة حق الحياة وحرم وأد البنات وعاب علي المشركين ما فعلوه تجاههن، ثم إن الإسلام جعل إنجاب البنات من علامات السعادة والسعة في الدنيا والرضا من الله في الآخرة، ومن ثم قدم هبة البنات علي هبة الذكور في قوله تعالي (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور). وأضاف د. العشماوي أن الإسلام أفصح عن قيمة المرأة للرجل وأنها خلقت من ضلعه وأنها هي السكن والحصن المنيع للزوج، ولذا كانت المرأة نصف المجتمع وليس نصفا عاديا بل هو النصف الجميل الذي يسع الرجل ويستوعبه ويعمل علي إسعاده ويزيل عنه أوجاعه وهمومه، بل إنها تجعل من الرجل سيدا وملكا حتي ولو كان مهانا في مجتمعه.. ثم إن الإسلام أوصي بالنساء خيرا ففي حديث نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيرا) وفي حياة نبي الرحمة صلي الله عليه وسلم مع نسائه قصص حافلة بالحنان والمودة والرحمة. ركيزة المجتمع وتشير د. أمل سويدان، عميد كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة، إلي أن الإسلام كرم المرأة واعتبرها ركيزة المجتمع الإسلامي، ولذلك أسهمت في البناء الحضاري للأمة العربية من خلال التعاون بين كل مكونات التربية الإسلامية التي ركزت علي التربية البيئية باعتبارها قاعدة أساسية في إعداد الأفراد وإبراز دور الأم في تربية النشء وصناعة مستقبل الأمة، وقد أرجع التربويون إحساس الطفل بحب الأبوين إلي ممارسة الأسرة لوظيفتها في التنشئة الاجتماعية، كما أن للأم دورًا مهمًا في تربية الطفل لا يستطيع المعلم أو أي شخص آخر أن يحل محله؛ ولهذا فقد حرص علماء التربية الإسلامية علي تأكيد ضرورة إعداد المرأة لممارسة دورها المجتمعي والتربوي، بل وانتقائها قبل إنجاب الأولاد لأن تربية النشء تحدث قبل الولادة عند الاختيار الأمثل للزوجة. برنامج للتوعية من جانبه أوضح د. أسامة هاشم الحديدي، مدير مركز الأزهر العالمي للفتوي الإلكترونية، أن المركز بدأ برنامجا للتوعية الأسرية لتقوية بنيان المجتمع المصري ومواجهة التفكك الأسري، وحماية الطفل من الأضرار البدنية والنفسية المترتبة علي انفصال والديه، والحد من ظاهرة الطلاق وتأهيل المقبلين علي الزواج، من خلال جهود توعوية وعملية تحدد المشكلات وتواجهها بمفاهيم الدين الصحيحة. وأشار الحديدي إلي أن آليات تفعيل البرنامج تشمل اللقاءات الجماهيرية الموسَّعة وتحتوي علي برنامج تثقيفي وتوعوي لجميع الفئات، وتكون بحضور وكيل الأزهر أو رئيس الجامعة أو من ينوب عنهما مع المحافظ لعقد مؤتمر جماهيري وممثلين من الأوقاف والتربية والتعليم والثقافة والشباب والرياضة والتضامن والداخلية والعدل والمجلس القومي للمرأة، وعقد ندوات وورش عمل تثقيفية وتوعوية لجميع الفئات من قبل نخبة متخصصة ومتميزة، وعقد لقاءات حوارية وفتح باب النقاش مع أفراد الأسرة بهدف التعرف علي مشكلاتهم وتحديد الحلول المناسبة لها من خلال زيارات ميدانية، وطباعة الكتيبات التي تعالج مشاكل الأسرة وتوزيعها علي أفراد المجتمع ومؤسساته أثناء هذه اللقاءات والأماكن العامة، بالإضافة إلي دورات مكثفة للمقبلين علي الزواج بكل المحافظات من خلال مقرات وحدة لم الشمل، ويمنح كل مشارك في هذه الدورات حقيبة خاصة تسهم بمحتواها في بناء الأسرة وسعادتها وتعزيز المواطنة واستقرار المجتمعات كما سيتم اختيار الأسرة المثالية وتكريمها.