كان الأسبوع الماضي ملتهبا، سُعّرت فيه نيران الفتنة من كل لون ومن كل حدب وصوب، والذين ارادوها علي شاكلة العراق ويقعدون لنا كل مرصد لم يعرفوا جوهر شعب مصر حق المعرفة وقد خاب ظنهم ومسعاهم يوم الأحد الدامي ولم يجدوا إلي أبعد من ذلك سبيلا. ولقد رأيت ما رأيت ومعي كل المصريين هذا العمي الذي يقود خطأ الضلال يريدون حتف الوطن، ولكن الظالمين ارتدوا علي اعقابهم خاسرين ولم تمتد النار الموقدة إلي البؤر البعيدة التي كانوا يرجونها ان تسير اليها وتشعلها حريقا لا ينتهي الا بانهيار الدولة.. وهل كان ذلك كافيا ليشفي غليل الحقد والحسد والبغضاء التي في صدور عليها أقفالها. ايتصور أحد ان ثورة تمضي إلي أهدافها وجيش وطني يحرسها وشعب صامد صابر علي الحرمان من حرياته وقوته، ايتصور أحد ان تهزمهم همزات شياطين الانس التي تحرضهم علي الوقوع في شرك الفتن التي ينبغي ألا تكون موضع خلاف بين شعب ثائر بكل طوائفه.. ألا نتفق علي ان كل المصريين ثاروا علي الظلم والاستبداد مسلمين ومسيحيين، فهل كان ما صنعوه من مشاهد خالدة في ميدان التحرير محض صدفة أو ادعاء، انني أؤكد ان ما يحدث خلاف ما رأيناه في ميدان التحرير من تلاحم وطني عظيم هو الباطل بعينه وان مصر محروسة بعناية الله من ارادها بسوء سوف يقهم الله ظهره ويركسه في ظلمات الضلال ويجعله عبرة كما جعل من سابقيه. الحليم والوضيع بالكارنيه كان هناك رجل يمشي بين الناس بالوقيعة، اتخذته عصابة الحزب الوطني المنحل أداة طيعة ليفعل ذلك ويندس فيغري هذا بذاك، اينما حل قامت مصيبة واندلعت نار حيثما اراد بمجرد ان يطلق شائعة أو يبعث كذبة أو يبث افتراء علي احد الشرفاء، كان لهذا الحد مجرما وعتيا وظالما لنفسه ولأهل بلده، استيقظ يوما علي فكرة تم تسجيلها باسمه فراح يلتف علي الصبية في المدارس ومن كانوا علي وشك الالتحاق بالجامعة وأغراهم »بكارنيه« الحزب الوطني بغير رسوم، وأفاض في مزايا هذه البطاقة عندما يحملها شاب في مقتبل العمر فهو يستطيع ان يركب المواصلات العامة مجانا ويقدر ان يتحصل علي خدمات في أي مكان في مجلس المدينة، في النوادي وفي الجامعة أو المدرسة وبذلك يضمن ان تحل جميع مشاكله، هذا هو الكارنيه الساحر الذي انتشر بين شباب وصبيان القري والبلدان التي علي اطراف الحياة في مصر، فسر الشباب وراحوا ينفذون ما نصح به هذا الرجل، ثم بعد ان مهد نفوسهم لارتكاب أي خطيئة من أجل ضمان هذه المزايا واستمرار العمل بها أغراهم ان يشاركوه في تزوير بطاقات الانتخابات وأودع فيهم الأسرار التي تعلمها طيلة عقود فاتقنوا الصنعة وكانوا يندسون مع المرشحين المستقلين والمعارضين ويوهمونهم انهم معهم ثم لا يلبثون ان يبعثوا الفتنة والشقاق في صفوف هؤلاء، واخذ المعلم يزيد من ابتداع الحيل ويعلمها لصبيان »الكارنيهات« فلا يكفون عن تلويث سمعة أي مواطن شريف إذا اراد الحزب الوطني ورموزه ذلك، وبقي هذا الرجل حتي اليوم يعمل ويخلص للحزب المنحل والصبيان كبروا وترعرعوا في هذه الاتون من الكذب والنفاق والافساد القمئ، وأكاد أشير اليهم بالاصابع حين اراهم إلا واحدا ظل مستخفيا عليّ حتي وقع بلسانه وانزلق بأفعاله ولا أظن انه نجا من هذا الرجل. لا يزال التليفزيون يغفو لن أزيد علي ما نُشر في الصحف والبرامج الحوارية حول تغطية التليفزيون المصري لأحداث ماسبيرو المشئومة، ولا أعتقد ان رئيس الحكومة سوف يصغي أو ان المجلس العسكري سوف يلبي ما نود ان يكون عليه جهاز إعلامي مهم مازال يحتل مكانة في نفوس عامة الشعب المصري مهما نافسته أجهزة اعلامية أخري، ولست متفائلا ان يقوم المسئولون عنه بثورة موازية تعيد له كيانه الأول ولقد غلقت جميع الأبواب التي كانت مواربة وصُمّت الآذان التي كانت تسمع بين الحين والآخر لإصلاح التليفزيون المصري وإطلاقه من القمقم المحبوس فيه، وكنت أظن ان أول الدروس المستفادة من أحداث ماسبيرو ان يتم تجديد شباب المذيعين والمذيعات واخراجهم من غلالة النظام الساقط التي لا تزال تحيط بهم من فوقهم وتحت أرجلهم، ثم أليس الذين يدعون إلي البرامج الحوارية همُ.. همُ.. تقلب القنوات فتراهم من قناة إلي قناة، ونفس الكلام ونفس الفكر، هل عقمت مصر فيفرض علينا هذه الوجوه ليل نهار، ونريد ان نخرج من الفانوس الصدئ إلي رحاب الفضاء الوسيع. الخطاب الديني الموحد في المقال السابق عتبت علي فضيلة المفتي ان يستمر في خطابه الديني الذي تميز به قبل ثورة يناير، واسفت ان يندفع البعض إلي تنبيه فضيلة المفتي بهذه الطريقة التي ينقصها الأدب، لكن الأجدي ان نمضي إلي المشكلة من جذورها وان نكف عما كان يحمله الخطاب الديني قبل الثورة وما كان يجري عليه من عرف بتجيل الحاكم وتعظيمه وكان البعض يمعن في ذلك فيدعو بالتنزيه، وانه لمن اللازم اللازب الآن ان يتخذ الخطاب الديني اهابا جديدا من الحرية المسئولة ومعالجة القضايا الحقيقية للواقع المصري والرؤية الإسلامية الصحيحة للخروج من مشكلاتنا وتربية أبنائنا، آن الأوان ان نكف عن الخطاب الديني الموحد.