عودة مصر إلي إفريقيا ، أمنا ، أمر أثلج صدورنا. مصر إفريقية الانتماء والجغرافيا والتاريخ والحضارة. لم تغب مصر عن قارتها. قد تكون بعدت في بعض الفترات السياسية ، لكن المصير المشترك يحتم عودة التقارب ، وقد عادت مصر بعد أزمة المقاطعة التي تمت منذ سنوات. نجحت الدبلوماسية المصرية بقيادة الرئيس السيسي في تحقيق خطوات مهمة أذابت خلالها الجليد السميك الذي حاولت قوي متآمرة فرضه حصارا علي مصر. في زمننا المعاصر كانت مصر وراء حركات التحرر الإفريقية التي حدثت في الخمسينيات والستينيات ، دعمتها بكل قوة، سواء قوة معنوية أو ناعمة، أو قوة السلاح، والمساعدة في التخطيط للثورات حتي تتحرر الشعوب. كان لمصر تأثير كبير في قارتها ولكن حدثت انتكاسة في فترة السبعينيات والثمانينيات أدت إلي تدهور علاقة مصر بقارتها ونفاذ إسرائيل إلي العديد من دولها مستخدمة المساعدات المالية والتكنولوجية والعسكرية. نجحت إسرائيل في كسر طوق الحصار عليها ودخلت القارة وانتشرت وأقامت المشروعات التي تساعد بها دول القارة. لم يعد لدي دول إفريقيا حرجا في إقامة علاقات واضحة وصريحة مع إسرائيل بعد أن عقدت مصر صلحا واتفاقية مع إسرائيل. أقدر تماما الجهود التي أدت إلي إعادة الاصطفاف الإفريقي بوجود مصر ،فهذه نقلة كانت منذ سنوات قليلة بعيدة المنال لكن عملت السياسة والدبلوماسية المصرية بدأب لكي يلتئم الشرخ المصري الإفريقي ونجحت في لم الشمل وصارت مصر قائدة للعمل الإفريقي خلال الفترة القادمة وأري أن مصر ستحقق خلال هذه الفترة نقلة متميزة تدفع بمصير القارة إلي الأفضل. كانت فترة الجفاء بين مصر وقارتها درسا لنا لكي نعي مدي أهمية الحرص علي عدم وجود جفاء وفجوات وذلك لصالح جميع الأطراف ، فوجود انقطاع في التواصل بيننا وبين دول القارة كما حدث خلال العقود الماضية يضر بأمننا القومي ومصالحنا الحيوية وعلي الدبلوماسية المصرية أن تعمل علي تحسين وتطوير العلاقات وتعميقها حتي يكون لمصر تأثيرها الذي يحمي مصالحها ويحمي قارتها. لقد ساعدت مصر في تحرير إفريقيا وكان زمن حركات التحرر ، زمن الرجال الذين ضحوا بحياتهم من أجل أوطانهم ، وآمل أن تفتح مصر أبوابها لأبناء إفريقيا لكي يدرسوا ويتعلموا ويعملوا وتتوطد الروابط والثقافات مادام أنهم يعيشون بيننا ويتكلمون مثلنا. لقد زرت العديد من دول إفريقيا ووجدت أن لمصر مكانة طيبة هناك لذلك يجب أن نحافظ علي هذه المكانة وأن نعطي اهتماما بثقافة دول القارة وأن نستخدم قوتنا الناعمة الممثلة في حضارتنا وقيمنا وفنوننا في التواصل العميق مع أبناء إفريقيا ، فحضارتنا تتكامل مع الحضارات الإفريقية وكذلك كل ما يرتبط بهذه الحضارة من مفردات. كما أن إفريقيا سوق كبيرة يمكن أن تكون مجالا اقتصاديا حيويا يستفاد منها في إنعاش الاقتصاد المصري وفتح مجالات للتعاون المشترك بيننا وبين دول القارة يحقق الفوائد للطرفين. وأقترح أن نبدأ في التواصل الثقافي من خلال مراكز نشيطة في عواصم إفريقيا والمدن الكبيرة بها ،فهذه المراكز ستكون نقاطا مضيئة للثقافة المصرية والعربية وستكون عنصرا مهما لتحقيق التأثير المتبادل والتعرف علي ثقافات جديدة للمواطن المصري. مصطفي بلال يعز علي أن أنعي صديقا مثل الأستاذ مصطفي بلال. بلال كان صحفيا كبيرا في منصبه وفي أخلاقه وفي تميزه المهني.بلال أنشأ لنفسه مدرسة علم فيها الأجيال الجديدة التي تلتحق بجريدة الأخبار وسقاها من معين أخلاقه ومبادئه فكانت مشاعل تواصل إنارة طريقنا في صحيفتنا المحبوبة. كان بلال صحفيا مثقفا لكنه متواضعا، لا يتعالي علي زملائه أو قرائه أو تلاميذه. كان راضيا وقانعا بما هو فيه ولم يصارع لكي يحصل علي مساحات أكبر في مهنته أو مناصب أكبر ، بل كان مقتنعا أن دوره من الأهمية لدرجة تفوق حصوله علي منصب أو مكانة وظيفية أكبر. بالأمس أقام زملاؤنا الأعزاء تأبينا لبلال ، كانت أحاديثهم تفيض ألما علي فراقه لكنها كانت تفيض حبا فيه وتقديرا لأخلاقه ومبادئه ولكل ما قدمه للصحافة ولتلاميذه. رحمه الله.