تمر الأيام والسنون وتظل ذكري يوم السادس من أكتوبر عام 3791م عالقة في الذهن بكل تفاصيلها ودقائقها واحداثها.. وبالرغم من أن ذكري الحرب تعني التدمير والقتل والرعب إلا أن حرب أكتوبر كان لها مذاق آخر حيث كانت حرب تحرير مشروعة ومقدسة وليست حرب اعتداء وعدوان وانتظر هذا اليوم شعب مصر وجيشها الباسل بل والأمة العربية جميعها. هذا اليوم العظيم الذي أعلن فيه العالم كله أنه جاء يوم الثأر يوم التحرير يوم الكرامة يوم التحدي.. والكل يعلم أن هذا اليوم لم يأت من فراغ بل كان حصيلة ونتاج عمل شاق وكفاح مستمر وتدريب جاد وتخطيط وإعداد محكم تطور يوما بعد يوم خلال مرحلة حرب الاستنزاف وحتي لحظة التنفيذ.. ومن الطبيعي أن كل من عاش هذا اليوم العظيم تختلف أحاسيسه ومشاعره باختلاف موقعه من الاحداث.. لقد بدأ يوم السادس من اكتوبر عام 3791 العاشر من رمضان كباقي الايام السابقة وكان هناك موقع هام يضم قمة المسئولين عن إدارة الحرب ويعمل فيه الجميع كخلية النحل الكل يتحرك والجميع في حالة ترقب ومتابعة للموقف علي جبهة القتال وما يدور بالمنطقة من أحداث.. وتنتقل البلاغات والمعلومات ويقوم البعض بتحليلها واستخلاص النتائج ويمر الوقت بطيئا علي غير العادة.. تخفق قلوب الحاضرين في انتظار اللحظة الحاسمة والكل يأمل أن تأتي تلك اللحظة الهامة فهذا يتحرك والآخر يستمع والبعض يراجع الخرائط والجداول بل وهناك من يهمس وتختلط الانفعالات والمشاعر وكلما اقتربت اللحظة الحاسمة فإن دقات القلوب كادت تكون أعلي صوتا من نبضات عقارب الساعة المعلقة بالقاعة ويصل الرئيس الراحل أنور السادات يصاحبه وزير الحربية ويدخل القاعة ويلقي السلام وتمر دقائق ليقف اللواء محمد عبدالغني الجمسي رئيس هيئة القوات المسلحة قبل اللحظة الحاسمة بساعة تقريبا ليقول »لقد سبق السيف العزل« وتمر هذه الساعة الاخيرة بتفاؤل أكبر وأمل اعظم وبعد فترة من الوقت يعلن داخل القاعة اقلاع الطائرات من قواعدها الجوية لتتجه صوب أهدافها ويأتي البلاغ الثاني ليعلن عبور طائراتنا خط القنال كما يعلن بدء اطلاق المدفعية نيرانها علي حصون خط بارليف شرق القناة وقد كانت الساعة تشير الي الثانية وخمس دقائق.. تنجح الضربة الجوية في تنفيذها مهامها وتعود الطائرات سالمة الي قواعدها بخسائر لا تتجاوز خمس طائرات وتستمر المدفعية في دك حصون العدو وتبدأ القوات البرية في اقتحام قناة السويس باستخدام القوارب المطاطية والخشبية لتقتحم النقط الحصينة في خط بارليف كما تدفع مجموعات الكمائن في عمق دفاعات العدو حاملة لبعض الاسلحة المضادة للدبابات كما يقوم المهندسون العسكريون باستخدام مدافع المياه لفتح ثغرات في الساتر الترابي لعبور الدبابات كل ذلك يتم طبقا للخطة الموضوعة وللجدول الزمني الدقيق وكأن القوات المسلحة تجري بيانا عمليا بالذخيرة الحية.. عظيم هذا اليوم الذي ارتفعت فيها الهامات وتحقق الامل الذي راود كل مقاتل بل وكل مصري في استعادة الكرامة والثقة بالنفس وتنفيذا عمليا للمبدأ الذي رفعه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ومن بعده الرئيس الراحل السادات »ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة«.. وفي أقل من 6 ساعات منذ بدء الحرب كان لنا في الشرق اكثر من 000.08 مقاتل يدمرون خط بارليف وتتقدم القوات صوب الشرق لتستعيد الارض المقدسة ولتحقيق النصر لمصر وللأمة العربية.. ويظل يوم السادس من اكتوبر ذكري عطرة لملحمة نضال قدمتها القوات المسلحة المصرية ومن خلفها شعب مصر العظيم.