الجن عالم موجود وهم خلق من خلق الله تعالي مثل الإنسان، والإيمان بوجوده فرع من الإيمان بالغيب، جاء في القرآن الكريم في مثل قوله تعالي: »يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا»(الأنعام: 130)، وقوله:»سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلاَنِ» (الرحمن:31). وقال الله عز وجل علي لسانهم:»وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا» (الجن:11). وثبت في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلي الله عليه وسلم ذهب إليهم وتحدث معهم، ففي صحيح مسلم أنه قال صلي الله عليه وسلم: »أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ»، وفيه أنهم سألوه الزاد فقال: » لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوَابِّكُمْ» ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم لأصحابه: » فَلاَ تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إِخْوَانِكُمْ». لكن يجب الاقتصار في الاعتقاد فيهم علي هذا القدر المحدود الذي وردت به آيات القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة وهولا يتعدي إثبات وجود هذه الكائنات وأن لها أفعالا خارقة بالمقارنة لعادة الإنسان وطبيعته، وأنه لا يضر ولا ينفع إلا في الحدود التي يضر فيها الإنسان وينفع، ولكن نفعه وضرره لا يصل إلي الشخص إلا بإذن الله فهوسبب من الأسباب الظاهرة التي تتوقف علي مشيئة الله تعالي. أما عن بيان مشروعية قراءة الكتب التي تتكلم عن الجن والعفاريت وما يتفرع عن ذلك من البيع والشراء فإن ذلك يتوقف علي ماهية هذه الكتب؛ فإن كانت مقتصرة علي بيان حقيقة هذا العالم في إطار ما ورد من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة الصحيحة ومشتملة علي الأدعية والأذكار التي تحصن المسلم فهي مشروعة؛ وقد ألف في ذلك عدد من أئمة الإسلام. أما الكتب التي تحتوي علي كثيرٍ من الباطل كالسحر والتنجيم والشعوذة فحرام شرعًا قراءتها وتعلمها والتعامل فيها بالبيع والشراء، وفي ذلك يقول الله تعالي: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّي يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) »البقرة: 102»، ثم قال الله تعالي فيها أيضًا: (وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ) »البقرة:102»، وفاعل هذا برئ منه رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الشريف: »لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ، وَمَنْ عَقَدَ عُقْدَةً- أَوْ قَالَ: مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً- وَمَنْ أَتَي كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَي مُحَمَّدٍ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». (مسند البزار/ 3578) ولا شك أن مثل هذه الكتب لا فائدة من ورائها؛ بل ضررها خطير جدا علي الأمة حيث تساعد علي تخدير الناس وانتشار الخزعبلات والخرافات فيما بينهم؛ لدرجة أن الجن أصبح في الثقافة الشائعة هوالمسئول عن معظم مظاهر الفشل في حياتنا، وذلك لكونه يمثل الهروب من المشكلات والتحديات التي تقابل الناس والمجتمع بدلا من مواجهتها بالحلول الواقعية، والبحث عن الأسباب المنطقية والحقيقية وراء هذه الظواهر، ومحاولة التغلب عليها بقانون الأسباب الذي أقام الله عليه مصالح العباد والبلاد. وينبغي أن نعلم أن أغلب من نراهم ممن يعتقدون في المس والشعوذة هم من المتوهمين الذين ينبغي عليهم الذهاب لعلاج الأمراض العضوية أوالنفسية، كما أن أغلب من نراهم ممن يدعون القدرة علي العلاج من الجن، هم من الْمُدَّعين الدجَّالين الذين ينبغي أن يتم ردعهم من أولي الأمر، حتي لا يفسدوا علي الناس أسس التفكير السليم، ويعوقوا بناء العقلية العلمية.