لم ينس انه ضابط شرطة مهمته تطبيق القانون. لم ينس انه رجل مرور مسئول عن ضبط المخالفات. لكنه تذكر روح القانون قبل بنوده ومواده. تذكر أنه إنسان، وأب، يشاهد مأساة أب مصري مثله، أعيته الحيلة في البحث عن كيس دم لطفله الرضيع طريح الفراش بين الحياة والموت.. نسي الملازم أول خالد الحسيني، المخالفة التي شاهدها، نسي البدلة والرتبة، وترك موتوسيكل المرور، وأسرع بالأب الملهوف إلي داخل المستشفي، وشمر هو عن ساعديه أمام الأطباء في قسم الاستقبال يتبرع بكل شهامة وبدون أي تردد بدمائه لانقاذ الطفل الرضيع. حدث ذلك في الخامسة من مساء الجمعة الماضي. مع الضابط المصري المعجون بشهامة ومروءة المصريين التقته »الأخبار« روي لنا قصته مع الأب وطفله، وابدي قدرا من الاستغراب لمن يري انه فعل شيئا يستحق عليه الثناء. ففي رأيه انه فقط قام بواجبه وبما يمليه الضمير علي أي إنسان. قال الملازم أول خالد الحسيني كنت أؤدي عملي في تنظيم حركة المرور أمام مستشفي قصر العيني الفرنساوي مساء الجمعة الماضي عندما وجدت قائد سيارة يركن سيارته في الممنوع اسفل لوحة ارشادية مكتوب عليها: »ممنوع الانتظار« ذهبت إليه منفعلا من تصرفه وقلت له إن الانتظار في هذا المكان ممنوع ويعرضه للمساءلة القانونية والغرامة. فوجئت بالسائق يقول »سيبني في حالي« وأنا مش هامشي من هنا إلا لما أخلص اللي أنا عاوزه ابديت دهشتي من رده وبدلا من الانفعال عليه حاولت أن أفهم الدافع وراء هذا الرد.. فاخبرني أن ابنه الصغير يعاني من مرض خطير في الدم ويحتاج إلي تغيير دم بشكل يومي وانه يواجه صعوبة في ذلك لندرة فصيلة الدم الخاصة بالطفل فما كان مني إلا أن ساعدت المواطن في ركن سيارته وقمت باصطحابه إلي داخل المستشفي واتخاذ الاجراءات اللازمة للتبرع وبعدها تبرعت بدمي من أجل انقاذ الطفل. وقال الحسيني: بعد تبرعي بالدم.. أعطيت رقم هاتفي المحمول إلي المواطن ليقوم بالاتصال بي أي وقت يحتاج فيه إلي مساعدة وعندما طلب مني المواطن أن يعرف اسمي رفضت وقلت له أنني أقوم بذلك لوجه الله ولا أريد أي مقابل وفوجئت صباح أمس بخبر علي صفحات الصحف يتضمن الواقعة وعندما سألته أكد أنه حصل علي بياناتي من واقع سجلات المستشفي وأنه قام بارسال برقيات شكر لكل من وزير الداخلية ومدير الامن عن موقفي معه واضاف الضابط قائلا: احساسي بالمسئولية كأب وكضابط شرطة هو ما يحركني لمساعدة أي شخص في الشارع المصري مادمت قادرا علي تقديم المساعدة وما قمت به ليس غريبا علي المصريين فيما بينهم بشكل عام ولو قابل المواطن أي شخص آخر غيري سواء كان ضابطا أو مواطنا أو حتي عامل نظافة فلا اعتقد أن تصرفه سيكون غير الذي قمت به. وقال الحسيني: عندما قمت بواجبي الإنساني تجاه المواطن لم أكن انظر إلي المكافأة أو الشهرة لعدم علمي برد فعل ما حدث ولكنني احسست بضرورة تأدية واجبي الإنساني بجانب واجبي الشرطي وذلك من خلال خدمة المواطنين.. فضلا عن انه واجب ديني تطبيقا لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم »يشرف قوم من أمتي يوم القيامة علي منابر من النور يمرون علي الصراط كالدرك الخاطف نورهم تشخص منه الابصار لا هم بالصديقين ولا الشهداء أنهم قوم تقضي علي ايديهم حوائج الناس. صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم. أما المواطن الأب علي محمد هلول والد الطفل فيقول إن ابنه »أنس« حديث الولادة وعمره 02 يوما وهو يعاني من فيروس نادر بالدم يستلزم تغيير دمه يوميا وأكد الأطباء ان مرضه نادر وليس له علاج في مصر وما يستطيعون القيام به هو نقل الدم بشكل مستمر ونقل بلازما وصفائح دم كل 21 ساعة مؤكدين أن حالة ابنه هي واحدة كل 05 مليون حالة وعبر الأب عن امتنانه لشهامة الملازم أول خالد الحسيني الذي لم يتعسف معه في تحرير مخالفة ضده لقيامه بالانتظار في الممنوع وتحمل انفعاله بسبب مرض ابنه وعرف منه ظروفه وتصرف من واقع واجبه الإنساني وقام بتسهيل الاجراءات له داخل المستشفي بل وتبرع بدمه دون أي مقابل وقال الأب: لم أجد ما اعبر به عن شكري للضابط بعد أن رفض اعطائي اسمه إلا ارسال برقيات شكر إلي اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية واللواء إسماعيل الشاعر مساعد أول الوزير لأمن القاهرة واللواء سراج زغلول مدير الإدارة العامة لمرور القاهرة.