رغم أني علي يقين أن ما حدث ويحدث ليس ظاهرة في مصر وأنها مجرد »إنذار خطر» خاصة مع افتقادنا جو الأسرة وسط سموم »السوشيال ميديا».. فأنا كأي »إنسان» طبيعي يزعجني بشدة جرائم تغيب العقول والعنف والقتل والتعذيب.. فبعد أن انتهينا من جرائم قتل النفس من أطفال وشباب صغير السن بسبب لعبة »الحوت الأزرق» صدمتني جريمة مقتل مدرسة بالإسكندرية علي يد طالب بالصف الأول الثانوي لم يتجاوز عمره 16 عاما دافعه إليها لعبة علي »الإنترنت».. الشاب الذي أمامه عمر طويل وقدرة علي العطاء والبناء ذهب إلي مدرسته لتلقي درس خصوصي حاملا معه سكينتين في حقيبته أخذهما من منزله.. وبمجرد دخوله شقتها طلب منها كوبا من الماء وعندما دارت بوجهها قتلها بعدة طعنات وتركها غارقة في دمائها خلف باب الشقة وهرب. وزارة الداخلية بعد كشفها تفاصيل الجريمة طالبت الأسر وأولياء الأمور بمتابعة أولادهم أثناء استخدامهم شبكة »الإنترنت» حرصا علي ما قد تحتويه من مواقع وألعاب تحث علي الإرهاب والعنف والجريمة خاصة أن أجهزة »الموبايل» أصبحت في يد أطفالنا قبل شبابنا مما يؤثر تأثيرا سلبيا علي النشء وتدفعهم لارتكاب الجرائم أو الانتحار. في جيلي لم يكن دور البيت أن يخرج الأب للعمل ليأتي بالمال للمأكل والمشرب والملابس وتوفير مستقبل آمن لأولاده أو ينشغل برغباته الخاصة عن أسرته.. ولم تكن الأم تذهب إلي عملها تاركة أطفالها أمام التليفزيون أو الكمبيوتر أو مع الموبايل.. أو تنشغل بالحديث مع جاره أو الطهو والغسيل وتقليم الأظافر عن مراقبة أبنائها.. فقد كان البيت لدينا هو الأساس الذي يبني أجسادنا وأرواحنا وعقولنا وتتجمع فيه الأسرة كبيرها وصغيرها علي »طبلية واحدة» ويزرع فينا الانتماء والولاء ويتشارك مع المدرسة بعد طفولتنا المبكرة لبناء شخصيتنا التي تلازمنا مدي الحياة ونورثها لأبنائنا.. وكان كل أب وأم يهتمون بطعام أطفالهم ويفرضون علي أبنائهم رقابة صارمة ويضعون لهم قواعد الخروج والدخول ويحددون مواعيد للعودة للمنزل واستقبال التليفونات وكانت تكفي من أمي كلمة واحدة عندما تفقد سيطرتها علي شقاوتنا وهي »هقول لابوك».. وكان الأبوان عندما يجدان ابنهما أو ابنتهما في حالة شرود أو يلمحان في أعينهما رغبة من رغبات الحياة لا يستطيعان الوصول إليها يرددان علي مسامعهما قول الرسول عليه الصلاة والسلام » احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ.. احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ.. إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ.. وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَي أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ.. وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَي أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ.. رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ». كان البيت في الماضي مدرسة لتعليم مكارم الأخلاق وبناء أمة قوية وعلمني أبي وعلمتني أمي رحمة الله عليهما أن قضاء الليل علي سرير من الذهب لا يأتي بالأحلام السعيدة والنوم علي فراش من » قش الأرز» لن يجعلني أحلم بالكوابيس.