لم يكن هناك أفضل وأنسب من الاحتفال بعيد العمال لإبداء هذه المصارحة التي اتسم بها خطاب الرئيس مبارك والتي لا يقدر عليها سواه. بداية فقد جاء هذا الخطاب وفي هذه المناسبة ليطمئن جموع الشعب علي صحة الرئيس أطال الله في عمره لمواصلة المسيرة بما يحفظ لمصر أمنها واستقرارها خلال الفترة القادمة من تاريخها. ولعل ما يثير الانتباه ما احتوي عليه الخطاب من مضمون سياسي خاصة فيما تناوله متعلقا بالعديد من القضايا الجماهيرية التي شهدتها وتشهدها الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لقد أدي إعلان الرئيس بأنه مستمر في تحمل المسئولية بإذن الله إلي أن يتنفس الشعب الصعداء مرحبا بقطع الطريق علي المزايدات التي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجها. وإذا كان هذا الإعلان الذي جاء في سياق الخطاب قد أنزل السكينة علي النفوس فإن الربط بينه وبين مواصلة الإصلاح السياسي حتي الوصول إلي الديمقراطية الصحيحة التي يتطلع إليها كل المصريين قد أشاع الراحة والاطمئنان وأزال حالة القلق التي كانت سائدة والتي لا يمكن إنكارها. وفي الجانب الاقتصادي المجتمعي الذي كان محورا لكثير من الظواهر التي كانت مثارا للحراك في الشارع المصري متمثلا في المظاهرات والاعتصامات المطالبة بتحسين الأجور لمواجهة مصاعب الحياة المعيشية تحدث الرئيس عن ضرورة بحث ودراسة تغيير القوانين التي تحقق معالجة هذا الخلل . لم يتجاوز الرئيس الحقيقة والأمانة عندما أكد ان هذه الخطوة مرهونة بزيادة إنتاجية العامل وجودة المنتج. اكد أهمية ربط هذه الخطوة بالتوسع في برامج التدريب لاكتساب المهارة ومواكبة متطلبات التكنولوجيا الإنتاجية وهو ما يتطلب في نفس الوقت مد يد الإصلاح إلي التعليم الفني والصناعي الذي من المؤكد أنه عاجز عن القيام بمهامه. لا جدال أن تحقيق هذا الهدف يؤدي إلي ارتفاع معدلات القدرة التنافسية للمنتج المصري سواء في السوق الداخلي أو الخارجي وارتباط ذلك بزيادة التصدير لجلب العملات اللازمة الي تسد الاحتياجات ومستلزمات الإنتاج. إن التوصل إلي معادلة التصدي لانفلات الأسعار وما يترتب عليه من ارتفاع في معدلات التضخم يتطلب زيادة الاستثمارات من أجل اتاحة المزيد من فرص العمل للقضاء علي البطالة.. ان عدم التوازن في هذه المنظومة يعني تراجع الدخل وبالتالي عدم القدرة علي توفير الموارد اللازمة لتحسين الأجور. إن ما دعا إليه الرئيس وأكد تبنيه له لصالح العمال يستلزم الاهتمام بتوفير خبرة إدارة المشاكل والأزمات وأن يملك القائمين علي إدارة المشروعات امكانية تحمل المسئولية لابد في هذا المجال من مراعاة العدالة في تحديد أجور هذه العناصر دون تجاوزات وبما يتناسب وخبرتهم ومستوي الأجور والحياة المعيشية في مصر. يجب التحرك لمعالجة هذا الأمر علي ضوء ما يقال ويتردد عن المرتبات والأجور الخيالية التي يحصل عليها القلة في مجتمعنا الذي لا تقدر غالبيته علي مواجهة مطالب الحياة. وما ينطبق علي هذه العناصر المنتمية لساحة العمل العام ينطبق أيضا علي القطاع الخاص الذي تُرك له الحبل علي الغارب ليحقق أرباحا بالمليارات علي حساب معاناة الغالبية الشعبية العاملة والمستهلكة لما يقوم بإنتاجه واستيراده. هذا المطلب لا يستهدف وضع الضوابط والقيود التي تحد من انطلاقة هذا القطاع وتأدية دوره في التنمية وإنما هي لا تعدو دعوة لأن يساهم في زيادة موارد الدولة التي تحتاجها لسد احتياجات الانفاق المتزايد. لن يضير اصحاب هذه المليارات اللجوء إلي رفع فئة الضريبة التي يخضعون لها حاليا والتي تساوي بينهم وبين الذين لا يحصلون سوي علي أجورهم من الاعمال التي يأدونها. ان 5٪ زيادة في هذه الضريبة لتصبح 25٪ بدلا من 20٪ لا تمثل أي ضرر عليهم في مقابل تحقيق الامان الاجتماعي الذي يحميهم ويحمي مشروعاتهم. لقد حان الوقت لكي تستجيب الدولة وأجهزتها للانحياز الذي أبداه ويبديه الرئيس نحو الفقراء والعمالة والطبقات المتوسطة التي أصبحت تعاني الأمرين. إن العناصر الايجابية الكثيرة التي تضمنها خطاب الرئيس مبارك هي روشتة علاج فعالة لكل ما يشكو منه الغالبية من أبناء هذا الوطن وبقي التحرك لوضعها موضع التنفيذ. جلال دويدار [email protected]