بقلم المستشار: مصطفي الكومي أعلنت احدي المحاكم الابتدائية في مصر عن فصلها في عدة مئات من آلاف القضايا المقامة امامها.. كما ان احدي محاكم الاستئناف حكمت في اكثر من ستين الف طعن في خلال حقبة زمنية محددة، علي حين كشفت احدي الجهات المعنية بالبحث والدراسة والاحصاء ان مايزيد علي عشرة ملايين قضية مازالت مطروحة بساحات القضاء علي ماينوء بحمله الجبال فاذا ما كان ذلك من قبيل الاعلان عن الانجاز.إلا انه علي الجانب الآخر وعلي فرض ان اطراف كل قضية في المتوسط ثلاثة فقط.. فان نصف المجتمع تقريبا في حالة خصام وعداء كفيلة بتقويض وهدم أعتي الدول أو علي الاقل نذير خطر وانهيار!! هذا الوضع »السوداوي« يعكس الي أي مدي اصبحت العلاقة والمعاملات بين افراد الاسرة الواحدة وبينهم وبين غيرهم من عناصر المجتمع وخلايا الدولة فقد غابت الشهامة والمروءة وفضائل التسامح والتعاطف والتراحم والايثار وحب الخير.. وتراجعت القيم الدينية ومكارم الاخلاق وما كان عليه السلف الصالح من التعامل وفق التعاليم المنزلة من السماء وماجبلت عليه النفس البشرية بطبيعتها الفطرية والسمحاء. في بداية الخلافة الاسلامية حدث قيام ابو بكر الصديق بتعيين الفاروق عمر بن الحطاب رضي الله عنهما ولاية القضاء علي المدينة.. وبعد مرور نحو عام لم يختصم احد امام عمر ومن ثم فلم تنعقد امامه جلسة قضاء واحدة.. فطلب عمر بن الخطاب من ابي بكر الصديق ان يعفيه من ولاية القضاء.. فقال ابو بكر: أمن مشقة القضاء تطلب الاعفاء ياعمر؟ فقال عمر: لا ياخليفة رسول الله.. ولكن لاحاجة بي عند قوم مؤمنين عرف كل منهم ماله من حق فلم يطلب اكثر منه.. وما عليه من واجب فلم يقصر في ادائه.. احب كل منهم لأخيه مايحب لنفسه اذا غاب احدهم تفقده، واذا مرض عادوه. واذا افتقر اعانوه. واذا احتاج ساعدوه.. واذا اصيب في مصيبة واسوه، دينهم النصيحة وخلقهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.. ففيم يختصمون. رضي الله عن الخلفاء وسلفهم ومن تبعهم بالحكمة والموعظة الحسنة فعاشوا الحياة في حب وسلام وبعد ان شاغلتنا الدنيا واغرتنا الدنيا واغرتنا بزينتها وزخرفها كيف اصبحنا ؟ فقد قتل الاب ابنه، وذبح الولد والده وامه، واحرق الزوج اسرته تقطعت اوصال الاسر والعائلات، وشاعت الفحشاء والرذيلة والمنكر، وعصفت الخيانة وشهادة الزور بالعلاقات الحميمة والتقاليد العريقة فعمت البلايا، وكثرت القضايا حتي اصبحنا في خصام مع انفسنا!! ولعلي لا أكون متجاوزا فيما اراه من أن عبء الاصلاح يقع بداية علي رجال الدين ودعاته بشكل خاص، وعلي الاعلام بجميع انواعه وصوره بوجه عام ان تربية النشء ورعاية الشباب، وتقويم السلوكيات وازكاء النفس البشرية وحثها علي حب الخير والفضائل، وشحن الهمم والعزائم، وترسيخ العقائد والقيم النبيلة، لهي افضل بكثير وأولي من إثارة قضايا الفتن، واشباع الغرائز، والجنس والفساد، وصراع السلطة والمال، والانغماس في بؤرة ومستنقع الانانية وحب الذات والمصالح الخاصة علي ما يؤكد جسامة العبء وتعاظم المسئولية!! اذا كان اليوم الذي يذهب فيه القاضي صباحا الي محكمته فلا يري سوي بضعة من الخصوم، ونفر قليل من المؤيدين والمناصرين شهود الحق، ولايجد سوي النزر اليسير من القضايا يفصل فيها بالعدل والانصاف.. فذاك امارة وعلامة علي بداية الاصلاح.. فلننشد معا ذلك اليوم الذي نجد فيه محكمة بلا قضية!!