أجراس الخير مطلوبة وتنبيه المواطن مسلم ومسيحي لعمل الخير هام.. ولكن الحكاية زادت وأصبحت اعلانات التليفزيون تظهر عبقريات من غلابة مصر لا يستطيع أعظم المخرجين ان يكتشفها. بدأت الاعلانات منذ ثلاثة أعوام بطفل مسكين عيناه باكيتان لا أعلم من أين التقطوه ربما من تحت الكباري أو من أطفال المقابر ينظر للكاميرا نظرة جوعان وعطشان ويتيم.. طفل عبقري ينظر بعينين نظرة تنفطر لها القلوب ثم صوت في الخلفية يقول »اكفل يتيم« ثم تطورت الحكاية إلي »اكفل أسرة« ولا أدري أي مخرجين يستعينون بهم ويأتون بمعوق ابتلاه الله بقطع ساقه ويستعرضون عاهته ثم ينام حزينا ويستيقظ علي من يوقظه ويضع له ساقا جديدة ثم عمل يعيش منه وتصبح الحياة بمبي. اعتقد انهم سوف يصلون إلي إعلان أكبر تأتي فيه الكاميرا بنا جميعا نتضور جوعا ونمشي هائمين في الشوارع بلا حطام ولا مأوي ويطلق الاعلان بصوت يفطر القلب »اكفلوا الوطن« »اكفلوا مصر«.. إيه الحكاية؟ في مصر أكثر من خمسين ألف جمعية خيرية وأصبحت سهلة جدا ان تكون مجموعة من عشر أو خمسة عشر لمجلس ادارة وتأخذ الرخصة من وزارة الشئون ثم تنطلق سواء في التليفزيون أو غيره.. انطلقت الجمعيات لدرجة اعلانات شديدة الهبوط بصور بنات بملابس مزركشة ووجوه مدهونة ماكياج ثم عبارة »تعالوا زرونا«.. هذه الجمعيات التي وصلت إلي خمسين ألف جمعية ويزيد لو قامت كل منها برعاية ألفي مواطن واحسبوها انتم لأصبح المجتمع خاليا من المعدمين ناهيكم عن التبرعات التي تأتي من الخارج بلا رقابة لدرجة ان السفيرة الأمريكية السابقة مارجريت سكوبي كانت تقضي معظم وقتها في اللف والدوران خلف المعونات الأمريكية للجمعيات لتبحث عن أساليب صرفها في أماكنها الشرعية. ومنذ خمسة أعوام نشر خبر في إحدي الجرائد ان احدي رئيسات الجمعيات أخذت معونة مليوني جنيه أو دولار لا اذكر- مع ان الفرق شاسع- وكنت اعرفها فطلبتها وقلت لها - كذبي الخبر.. إيه المصيبة دي! فاتضح أنني ساذجة إلي حد الهبل فقد قالت لي ببساطة شديدة - أكذب ليه ما هو فعلا حصل ما هو عندنا مشاريع كثيرة ودي معونات قانونية سواء من الاتحاد الأوروبي أو من أمريكا!! وصعقت!! واستمرت المعونات تتدفق والوزارة تدعم والمشاكل الاجتماعية تزداد ضراوة والايتام أصبحوا »سبوبة« لجمع المال وأعرف بعض أصحاب الجمعيات اصابهم الثراء علي حساب الأيتام والمعوقين وأنا من المهتمين بالعمل الأهلي ومن أشد المؤمنين بأهميته في دعم المجتمعات ومساهمته في التغيير الاجتماعي خصوصا تلك الجمعيات التي تعتني بتغيير البشر وتوعيتهم للوصول إلي انماط مختلفة من الحياة وتكوين كوادر بشرية تتواصل لهذا التغيير مثل الرائدات الريفيات، وغيرهن. ولكن تظل الجمعيات الخيرية الغامضة الوجود والتي لا يخلو منها فضائية- ناهيك عن تخصيص التليفزيون المصري- تعلن بشكل اصبح يستفز الناس. وكانت هناك في الخمسينيات والأربعينيات جمعيات في مصر لها شأنها مثل جمعية تحسين الصحة التي انشأتها السيدة ليلي روي وجمعية الجذام، كانت هذه الجمعية تقيم اسواقا خيرية مرتين في العام ومازالت وهي تعتمد علي الاشغال اليدوية والتي هي في الاصل مشاريع لتعليم الفتيات هذه الاشغال مثل الكرويشيه والكانفاه والخياطة وتباع لصالح الجمعيات وكذلك كانت تلك الجمعيات تقيم ولائم في أحد الفنادق الكبري مثل سميراميس القديم او شبرد وتكون تحت اسم غذاء الفقير وتكون مكونة من العدس والسلطة والأرز بتاع البطاقة بخمسة جنيهات واحيانا عشرة أما الأغنياء فكانوا يتبرعون للجمعيات لأن معظم زوجاتهم عضوات فيها ومازالت هذه الجمعيات تصل وتتواصل. ويعتمد العمل فيها إداريا علي بعض المتطوعات وبعض العاملين بالأجر وقامت جمعية تحسين الصحة بمشاريع كثيرة جدا دخلت فيها محو الأمية وتنظيم الأسرة أي حرصت تلك الجمعيات علي تغيير المجتمع ودخول المرأة في انماط جديدة من الانشطة ولكن للاسف الشديد اصبحت الجمعيات الخيرية الآن بل العمل التطوعي كله بما فيه جمعيات تساهم في التغيير الاجتماعي بعمل ندوات حتي توصل تكاليف الندوات في الفنادق إلي ما من يدعمونهم سواء من الخارج أو الداخل. مازالت القرية المصرية ترزخ تحت الأمية والهوان الثقافي بل أصابها الفساد من التليفزيون والسهر بجانب المسلسلات حتي الفجر ويصبح العمل صعبا والانتاج من المستحيلات. اوجه رسالة لوزير الشئون لكي تحكم الرقابة وتناقش هذه الجمعيات ولابد ان تكون التبرعات والدعم المدني الذي يأتي من الخارج تحت اشراف وزارة الشئون لا يجب ان يمر نهر الخير خصوصا في هذا الشهر الكريم دون ان نجعله خير فعلا ولابد ان يعرف هؤلاء الذين ينتهزون فرصة عمل الخير للتربح وتغيير حياتهم وليس تغيير حياة الآخرين. خارج حدود المقالة جمعية »مصر الخير« والتي لا تستغل البشر ولكنها تخاطب العقل.. الاغتسال بالغناء الصوفي قبل الطبع »سماع«.. مهرجان الغناء الصوفي.. صفاء النفس والقلب والعقل.. مهرجان يقام في القاهرة للمرة الثانية ويشارك فيه إحدي عشر دولة منها أمريكا!! ناهيك عن الهند واندونيسيا والمغرب وباكستان والجزائر.. المهرجان جعلني اشعر وأنا تحت قبة الغوري التي اقيم فيها حفل الافتتاح جعلني انفصل تماما عن هموم الوطن واغتسل وترديد كلمة »الله« باكثر من شدو واكثر من حنجرة جعلني اشعر ان الله يسمع اصواتنا التي رددتها الجماهير مع منشدي الدول.. المهرجان جهد رائع ومطلوب من العلاقات الثقافية الخارجية وصندوق التنمية الثقافية أما الصوفي الأكبر الذي وقف يقود المعزوفة الصوتية الصوفية فهو الفنان انتصار عبدالفتاح رئيس المهرجان.. لعل المهرجان اثبت سياسيا بمجئ احدي عشر دولة ان مصر بخير ومازالت تستقبل في قلبها فنون العالم، هنا يصبح دكتور حسام نصار رئيس العلاقات الثقافية الخارجية والمهندس محمد أبوسعدة رئيس صندوق التنمية درعي حرب من أجل مصر في هذه الأيام وبالفن الراقي.