قال صاحبي ..ألا تري أنك متفائل اكثر من اللازم عندما تقول إن الثورة ماضية في طريقها الي الامام وإن عجلة الزمن لن تعود الي الوراء ..أنا ما زلتُ عند رأيي. هكذا اضاف صاحبي ، بأن الثورة تمت فرملتها الي حد ما حتي الآن في محاولة لتحويلها الي مجرد حركة إصلاحية أو إنتفاضة في أحسن الاحوال ، وعندي من الشواهد والادلة ما يؤكد ما أذهب اليه..فهناك محاكمة اقرب الي المسرحية يبدو فيها المتهمون وكأنهم ممثلون يؤدون أدوارا مرسومة جيدا..كل المتهمين بلا استثناء لا يبدو عليهم أدني خوف أو إنزعاج وكأنهم مطمئنون الي نتيجة المحاكمة ..رئيس مخلوع لم ينس صبغ شعر رأسه وإرتداء ساعة فاخرة ..وقيل إنه بعد الجلسة نهض ووقف علي قدميه وسار دون أي مساعدة الي دورة المياه!!..مشهد بقية المتهمين وهم يغادرون مبني أكاديمية الشرطة حيث كانوا يسيرون وكأنهم يستعرضون حرس الشرف بينما بعض الضباط يؤدون لهم التحية العسكرية!! ..ناهيك عن التهمة "المضحكة" الموجهة لنجلي مبارك..هل يعقل أن يحاكم جمال مبارك المسؤول عن كل جرائم النظام البائد في آخر عشر سنوات علي الاقل بتهمة تلقي عطية من حسين سالم عبارة عن فيلتين أو حتي قصرين في شرم الشيخ !!..أما عن إحتشاد كل نجوم المحاماة للدفاع عن النظام السابق وجرائمه فحدث ولا حرج.. واستطرد صاحبي ..ومن أسباب تشاؤمي أو إن شئت فقل تساؤلاتي المتشككة أن التغييرات التي جرت مؤخرا في التشكيل الوزاري والمحافظين جاءت بوجوه معظمها محسوب علي النظام البائد وخاصة وزراء الزراعة والري والتعليم العالي ، الي جانب وزراء مبارك المخضرمين الذين لا نعرف سر استمرارهم حتي الآن مثل وزيري الكهرباء والبيئة ..والكارثة أن هذه الوجوه لم تنس إنتماءها للجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل ولم تسع حتي الي تبييض صفحتها السوداء ..فوزير التعليم العالي يقول إن تغيير القيادات الجامعية المكروهة التي عينها أمن الدولة لن يتم إلا طبقا للقانون..وهو نفس ما قاله وزير الداخلية مبررا رفضه اوامر رئيسه عصام شرف بتطهير الداخلية من القيادات الفاسدة المتورطة في التعذيب وقتل شهداء الثورة وإصابة جرحاها..واللوم هنا لا يقع علي هؤلاء بقدر ما يقع علي مَن رفض الإعتراف بالشرعية الثورية والإبقاء علي دستور وقوانين مبارك لكي يحاكم بها رأس النظام وكل اركانه..وأري أن من يتحمل كل المسؤولية أو جُلها في هذا الشأن هو عصام شرف الذي الحق الضرر الاكبر بالثورة بعدم إتخاذ قرارات حاسمة تُشعر الناس بأن هناك ثورة قد قامت ..كان عليه ألا ينفصل عن ميدان التحرير وألا يسمح بإستبعاد الثوار عن حكومته ..وهنا تساءل صاحبي "ألم يلاحظ رئيس الوزراء أن كل الاسماء التي رشحت من بين الثوار الحقيقيين لدخول وزارته ، رُفضت جميعها وابرز هذه الترشيحات المستشار زكريا عبد العزيز الذي أجمعت كل الفصائل والتيارات علي إختياره وزيرا للعدل أو نائبا عاما؟!!".. واختتم صاحبي مرافعته بالقول إن حركة الجيش في 1952 لم تتحول الي ثورة إلا بعد التطهير الجذري الشامل للجيش نفسه والاجهزة الامنية وحتي الاحزاب .."فأين نحن من ذلك فيما يتعلق بما حدث في 25 يناير إذا كنت لا تزالُ تصر علي تسميته ثورة ؟!!"..ألا تلاحظ أن الثورة سرقتها أو اختطفتها أحزاب وتيارات إنتهازية كانت حتي اللحظة الاخيرة ضدها؟!!..ياصديقي ..لن تنجح الثورة إلا إذا وصل ثوار حقيقيون الي سدة الحكم ..ومن شديد الاسي والاسف أن الثوار حيل بينهم وبين السلطة ، بل إن المرجح أنهم لن يصلوا اليها حتي بعد الانتخابات البرلمانية المنتظرة ، وعلي صناع الثورة ألا يلوموا إلا أنفسهم فقد كانوا من السذاجة الي حد القيام باعظم ثورة ثم القائها في حجر النظام القديم بعد التخلص من رأسه فقط!!.. وعندما جاء دوري في الكلام ، قلتُ لصاحبي.. ربما تكون معظم مخاوفك مشروعة وشكوكك في محلها..بل أزيد بأن فلول النظام السابق ما زالوا يتحكمون في مفاصل الاقتصاد وخاصة في الغرف التجارية والاستيراد ، وهم المسؤولون عن غلاء الاسعار الذي أثار حفيظة كثير من المستهلكين علي الثورة ..ايضا لا تزال بقايا النظام تسيطر علي دواوين الوزارات والمحافظات وعلي الجامعات والصحافة والإعلام ..كما أن التطهير لم يبلغ بعد إلا القشرة السطحية للنظام ..ولكن الثورة حققت حتي الآن إنجازات لا تُنكر وهي اسقاط رأس النظام وإدخاله القفص..ولكن ما يجعلني متفائلا هو أن الشعب كسر قيوده وملك حريته واسترد كرامته ..وشباب مصر الذي فجر الثورة يعي تماما أن معركته لا تزال طويلة وأن التطهير آت لا محالة لأنه شرط نجاحها واكتمالها..والاهم من كل ذلك أن هذا الشباب مسلح بمعرفة وإرادة بلا حدود تؤكدان أنه لا عودة للوراء وأنه لم يعد هناك من الآن فصاعدا أي مستحيل..فقط علينا متابعة المحاكمة جيدا حتي لا تضيع دماء شهداء الثورة وجرحاها ..مع مواصلة الضغط لتقديم كل القتلة الي العدالة ..كما يجب ألا تغفل أعيننا عن محاولات خبيثة ومشبوهة من فضائيات خاصة تدعي الاستقلال والموضوعية ، بينما هي تابعة لرجال أعمال يرتبطون بالنظام السابق بحبل سري، لإستضافة كوادر بارزة من خدم ذلك النظام ومنظريه ومحلليه بهدف إعادتهم الي الاضواء لمساعدتهم علي غسل أيديهم الملوثة وتبرير جرائمهم البشعة في حق هذا الشعب ..وتلك طعنة مسمومة في قلب الثورة والثوار يجب ألا نسمح بها إذ أن هؤلاء لا يستحقون إلا مزبلة التاريخ..