تمر اليوم الأربعاء الذكري التاسعة والثلاثون لانتصارنا العظيم في حرب العاشر من رمضان 1393 السادس من أكتوبر 1973 ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، ونجاح جيشنا الباسل في دحر الكيان العنصري الغاصب، وإلحاق أول هزيمة عسكرية أليمة بالصهاينة، ورد الاعتبار إلي العسكرية المصرية الشامخة، وإلي الشعب المصري والعربي الأبي. وفي هذا اليوم التاريخي نحيي أبطال قواتنا المسلحة الباسلة في عيدهم السنوي، ونقدم له أسمي آيات الشكر والتقدير والعرفان، ونتذكر بكل فخر وإعزاز شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم الغالية من أجل هذا الوطن الحبيب. لقد عاشت مصر عقب هزيمة الخامس من يونيو 67 شعورا هائلا بالمهانة والمذلة والانكسار، وإحساسا عميقا بالمرارة والتيه والضياع، وواقعا حياتيا ونفسيا شديد الوطأة، فلا حرية سياسية يتنفس فيها الناس، ولا عدالة اجتماعية تنصف الفقراء والمساكين، ولا مكان للدين في سياسة الدولة، ولا إحساس بالكرامة الوطنية بسبب الهزيمة النكراء، بل معتقلات وسجون مفتوحة لآلاف المعارضين من كل الاتجاهات، وسيادة استبداد التنظيم السياسي الواحد، وانتشار الفساد في كل مفاصل الدولة. ثم جاء انتصار حرب (رمضان أكتوبر) لينهي مرحلة بائسة من تاريخ هذا الوطن، وليفتح الأبواب أمام مزيد من الحرية وعودة الديمقراطية ونشأة الأحزاب السياسية، لكن هذا المسار سرعان ما انتكس مرة أخري، وانتهي بأكبر حملة اعتقالات في صفوف المعارضين السياسيين، وتم اغتيال الرئيس السادات أثناء مشاهدته للعرض العسكري في أكتوبر 81 ثم تجدد الأمل في بداية الثمانينيات، لكنه تبدد تماما بمضي الوقت، وازدادت الأوضاع سوءا حتي بلغ السيل الزبي في السنوات الأخيرة. وفي ذكري انتصار العاشر من رمضان لهذا العام، يمن الله علي بلدنا الحبيب بثورة يناير، لتصحح مسار الوطن الغالي، وتعيده إلي طريق الحرية والديمقراطية والعدالة من جديد، وتحقق أمل المصريين في النهضة والتقدم والازدهار، وإذا كان البعض يتعجل النتائج، ويستبطئ الثمار، ولا يري جديدا في الأفق القريب، من فرط ما عاش محروما يائسا، فإن النتائج بإذن الله قريبة، والثمار أوشكت علي النضج، والنور بدأ يلوح في الأفق، والأمل في المستقبل بفضل الله أقوي وأفضل. ومن بين دروس حرب رمضان، التي علينا أن نتذكرها ونضعها نصب أعيننا، أن العودة إلي الله واللجوء إليه سبحانه، وإيقاظ الإيمان في نفوس أبناء الوطن، واحترام شعائر الدين، ووحدة الأمة وقوة ترابطها، وشدة تلاحمها وتماسكها، إضافة إلي الأخذ بكل عوامل ومقومات النصر، والابتعاد عن أسباب الهزيمة، وقوة الإرادة في تغيير الواقع وعدم الاستسلام لليأس والتخاذل، والصبر والمثابرة والمجالدة في مواجهة التحديات، ومقارعة الخطوب والشدائد، وهذا هو طريق النصر. ونحن في هذه المرحلة الدقيقة من عمر "ثورة التحرير" نحتاج إلي تأمل هذه الدروس، واستيعاب حقائقها والالتزام بها، حتي تستكمل ثورتنا المجيدة طريقها نحو الانتصار الكامل، فقد نجحت الثورة حتي الآن في القضاء علي الخوف بين جماهير الشعب، وامتلاك القدرة علي التحدي والصمود ومواجهة الظلم والفساد، وكانت النتيجة هي سقوط النظام في أعنف مراحل طغيانه وجبروته، وها هم أكبر رموزه يحاكمون أمام محاكم مدنية، وليست عسكرية أو استثنائية، كما كانوا يفعلون مع أبناء شعبهم. إنني علي ثقة بأن مصر العظيمة قد اجتازت بالفعل أخطر مراحل الأزمة، وبدأت تسير في طريق النهضة والتقدم والازدهار الاقتصادي والاجتماعي، وهو طريق تحميه الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، وتقويه الديمقراطية والشفافية والقبول بالآخر، وتدعمه المسئولية الوطنية والمشاركة الإيجابية، وتصونه الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وترعاه الثقة والأمل المشرق في المستقبل.