نعم نحن الذين نصنع الحكام، ونؤله الرؤساء، ونفرعن الزعماء، ونشكل هياكلهم، بأيدينا لا بأيدي غيرنا إلا قليلا، وكيفما نكون يولي علينا، والشواهد ماثلة والمشاهد دالة"نبايع أربابنا في الصباح ونأكلهم حين تأتي العشية" علي حد تعبير الشاعر نزار قباني في قصائده السياسية المتوحشة. نعم نحن نصنع الأصنام في كل عصر، وفي كل دائرة، وليس شرطا أن يكون الصنم شخصا بل يمكن أن يكون اتجاها أو قوة خشبية أو سلطة بلاستيكية، تاريخنا المصري العربي والإسلامي كله دماء سائلة بعد خلافة سيدنا أبي بكر الصديق الذي لم يفضل أحدا بصوم ولا صلاة ولكن بسر وقر في صدره، ومن بعده سفكت دماء الخلفاء والأمراء والسلاطين والرؤساء والحكام، كلهم قتلوا بشكل أو بآخر، وما تحتفظ به مرويات التاريخ داخل قصور السياسة وبلاط الحكم يجعل الولدان شيبا. والذي يجري الآن علي الساحة المصرية وحتي العربية، يشي بأن ما يحلم به الكثيرون من مجيء رئيس ليس كمثله رئيس، أكثرهم واهمون، سيصنعونه أيضا بأيديهم وسيعبدونه ويحرقون له البخور، ويطوفون حوله راكعين وساجدين، وقد بدأوا حطمنا صنما ورجمناه بصنم ليحل محله صنم، وهكذا، والسعي نحوه الآن حثيث، وما خفي أعظم لابد أن نغير من أنفسنا أولا، كل المنظرين والمحدثين والخطباء والساسة ورواد الفضائيات، لا يعنيهم التغيير الذاتي، الكل يطالب بالتغيير، تغيير الحاكم وتغيير النظام وتغيير الحكومة وتغيير الإدارة، لكن لا أحد يتحدث عن تغيير الناس والمجتمع والشعب، كلنا مخطئون، كلنا مشاركون فيما حدث وما يحدث، كلنا متهمون، كلنا في قفص الاتهام، بل في قفص الإدانة، كلنا ملوثون بدم الخداع والضياع، والمراوغة والمناورة، كلنا مذنبون في حق مصر، كلنا مجرمون في حق الوطن والمجتمع نحن لا نستطيع أن نواجه أنفسنا، ولا ماذا نحن فاعلون؟ غيرنا النظام، حاكمنا الحاكم، فهل غيرنا أنفسنا، مستحيل أن يغيرنا الله ما لم نغيرمن أنفسنا أين نحن من الحق الإلهي »إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ« الرعد - 11 و»ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَي قَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ« الأنفال -35 الآيتان تصرحان بأن التغيير الحقيقي يبدأ من الناس، مني ومنك، فردا وجماعة وشعبا وقوما، التغيير ينطلق من أنفسنا من ذواتنا وداخلنا أولا، كلنا محلك سر، (كلنا نريد) فهل نغير هذه الصيغة الي (كلنا نعطي نفعل نعمل) لماذا ننهش في بعض، ونخون بعضنا، وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا؟ هل نفيق؟ ونبدأ بأنفسنا بعد ما تبين الحق أو بعض الحق؟ نفسي الأمّارة بالشعر: ما بال الليل (يجن) علينا اليوم فلا نبصر حتي تحت الأقدام تلك الأصنام حوالينا لا شيء لديها إلا بث أساطير الإظلام والناس نيام فإذا ماتوا لاينتبهون الخوف الكامن في الأعماقِ يمتص عناقيد الأشواق تسّاقط يا سيدنا كل الأوراق تبيض الأحداق !والأعين واسعة العدسات والألسن تنفث مالايخطر في ناموس الكلمات امنحني فأسك يا ابرهيم فلأهدمْ معبدهم فوق رؤوسهمُ المسمومةْ ولينزلْ فوقي سخطُ الالهة المزعومة وليسكب هذا ( النمروذ) الغضب الجم عليّ عيانا وليأتوا بجهنم أو ألف جهنم وليلقوا بي في النيران ولتأكلني النار ولاتك برداً وسلاما .