حين تأكل بالباطل فلن تستطيع أنت شخصيا أن تعفي غيرك مما أبحته لنفسك وسيأكل غيرك بالباطل أيضا، وما دمت تأكل بالباطل وغيرك يأكل بالباطل، هنا يصير الناس جميعا نهبا للناس جميعا. ما معني الباطل، والحق؟ إن الباطل هو الزائل، وهو الذي لا يدوم، وهو الذاهب. والحق هو الثابت الذي لا يتغير فلا تأكل بالباطل، أي لا تأكل مما يملكه غيرك إلا بحق أثبته الله بحكم: فلا تسرق، ولا تغتصب، ولا تخطف، ولا ترتش، ولا تكن خائناً في الأمانة التي أنت موكل بها، فكل ذلك إن حدث تكن قد أكلت المال بالباطل. وحين تأكل بالباطل فلن تستطيع أنت شخصياً أن تعفي غيرك مما أبحته لنفسك، وسيأكل غيرك بالباطل أيضاً. ومادمت تأكل بالباطل وغيرك يأكل بالباطل، هنا يصير الناس جميعاً نهباً للناس جميعا. لكن حين يُحكَم الإنسان بقضية الحق فأنت لا تأخذ إلا بالحق، ويجب علي الغير ألا يعطيك إلا بالحق، وبذلك تخضع حركة الحياة كلها لقانون ينظم الحق الثابت الذي لا يتغير، لماذا؟ لأن الباطل قد يكون له علو، لكن ليس له استقرار، فالحق سبحانه وتعالي يقول: »أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فاحتمل السيل زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النار ابتغآء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض كذلك يَضْرِبُ الله الأمثال» »الرعد: 17». وساعة تري مطراً ينزل في مسيلٍ ووادٍ، فأنت تجد هذا المطر قد كنس كل القش والقاذورات وجرفها فطفت فوق الماء ولها رغوة، وكذلك فأنت عندما تدخل الحديد في النار تجده يسيل ويخرج منه الخبث، ويطفو الخبث فوق السطح، وهكذا نجد أن طفو الشيء وعلوه علي السطح لا يعني أنه حق، إنه سبحانه يعطينا من الأمور المُحسة ما نستطيع أن نميز من خلاله الأمور المعنوية، وهكذا تري أن الباطل قد يطفو ويعلو إلا أنه لا يدوم، بل ينتهي، والمثل العامي يقول: (يفور ويغور). إن الله يريد أن تكون حركة حياتنا نظيفة شريفة، حركة كريمة فلا يدخل في بطنك إلا ما عرقت من أجله، ويأخذ كل إنسان حقه. وقبل أن يفكر الإنسان في أن يأكل عليه أن يتحرك ليأكل، لا أن ينتظر ثمرة حركة الآخرين، لماذا؟ لأن هذا الكسل يشيع الفوضي في الحياة. وحين نري إنساناً لا يعمل ويعيش في راحة ويأكل من عمل غيره فإن هذا الإنسان يصبح مثلاً يحتذي به الآخرون فيقنع الناس جميعاً بالسكون عن الحركة ويعيشون عالة علي الآخرين. ويترتب علي ذلك توقف حركة الحياة، وهذا باطل زائل، وبه تنتهي ثمار حركة المتحرك، وهنا يجوع الكل. إن الحق يريد للإنسان أن يتحرك ليشبع حاجته من طعام وشراب ومأوي، وبذلك تستمر دورة الحياة. إنه سبحانه يريد أن يضمن لنا شرف الحركة في الحياة بمعني أن تكون لك حركة في كل شيء تنتفع به؛ لأن حركتك لن يقتصر نفعها عليك، ولكنها سلسلة متدافعة من الحركات المختلفة، وحين تشيع أنت شرف الحركة فالكل سيتحرك نحو هذا الشرف، لكن الباطل يتحقق بعكس ذلك، فأنت حين تأكل من حركة الآخرين تشيع الفوضي في الكون. وعلي هذا فالحركة الحلال لا يكفي فيها أن تتحرك فقط، ولكن يجب أن تنظر إلي شرف الحركة بألا تكون في الباطل، لأن الذي يسرق إنما يتحرك في سرقته، ولكن حركته في غير شرف وهي حركة حرام. إذن كل مسروق في الوجود نتيجة حركة باطلة، وكذلك الغصب، والتدليس، والغش، وعدم الأمانة في العمل، والخيانة في الوديعة، وإنكار الأمانة، كل ذلك باطل، وكل حركة في غير ما شرع الله باطل، حتي المعونة علي حركة في غير ما شرع الله، كل ذلك باطل. ويقول لنا الحق سبحانه: »وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل» أي إياكم أن تأكلوها بالباطل ثم تدلوا بها إلي الحكام ليبرروا لكم أن هذا الباطل هو حق لكم. فهناك أناس كثيرون يرون في فعل الحاكم مبرراً لأن يفعلوا مثله، وهذا أمر خاطئ، لأن كل إنسان مسئول عن حركته.