في سابقة لم تفعلها من قبل أي مجلة أوربية أو أمريكية أو إسلامية أو عربية، أصدرت مجلة "تايم" الأمريكية عدداً استثنائياً يحمل تاريخ أول اغسطس 2011 عن الرحالة العربي الأبرز ابن بطوطة. والذين يتابعون مجلة "تايم" يعرفون معني وقيمة ان تصدر عدداً خاصاً مزدوجاً عن أي موضوع. وابن بطوطة ليس "أي موضوع" ولكنه الموضوع نفسه. والعدد يحمل علي غلافه عنواناً كبيراً يقول "الرحلات في الاسلام" مع عنوان فرعي يقول "اكتشاف عالم من التغيير والتحدي في آثار أقدام رحالة القرن الرابع عشر الميلادي ابن بطوطة". انه شمس الدين أبوعبدالله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف بن اللواتي الطنجي بن بطوطة بن حميد الغازي بن القريش العلي، المعروف بابن بطوطة. ولد في 24 فبراير 1304 بطنجة في المغرب، هو رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه مغربي اطلقت عليه جامعة كامبريدج البريطانية المرموقة في كتبها وأطالسها لقب "أمير الرحالة المسلمين الوطنيين". وفي فتوته درس ابن بطوطة الشريعة وقرر عام 1325 للميلاد وهو في الحادية والعشرين من عمره أن يذهب للحج علي أمل أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد الإسلام. فطاف بلدان المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن وعمان والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض أجزاء الهند والصين وجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا. واتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم - وكان ينظم الشعر - واستعان بهباتهم علي أسفاره. عاد إلي المغرب الأقصي بعد 27 سنة وكتب موسوعته الشهيرة "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار"، وترجمت إلي اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. ومات في مراكش سنة 1377م حيث يوجد ضريحه بالمدينة القديمة. قالت مجلة "تايم" في تقديمها لعددها التاريخي: "في الوقت الذي ينشغل بال العالم العربي بقضايا الحرية السياسية والتسامح والهوية، فان عددنا السنوي الخاص بالرحلات يلتفت الي الماضي، الي رحلة استكشاف مثيرة، تلك هي رحلات المكتشف المسلم العظيم ابن بطوطة التي قام بها في القرن الرابع عشر الميلادي وصداها اليوم في كل أنحاء العالم". ولفتت المجلة الانظار الي ان ان بطوطة اكتشف "العولمة" قبل 700 عام تقريباً، وقالت ان العالم الذي تجول فيه كان يتميز بالعولمة كما هو الحال اليوم! ووصفت "تايم" الرحلة بانها بدأت في يوم صيفي من عام 1325 للميلاد حين خرج فقيه في الحادية والعشرين من عمره من بيته في طنجة في المغرب في رحلة حج الي مكةالمكرمة. ويقول ابن بطوطة في كتابه "الرحلة": "عقدت العزم علي ان أترك أعزائي وأهجر بيتي كما تهجر الطيور أعشاشها". استمرت تلك الرحلة 27 عاماً (وفي مصادر أخري 30 عاماً) وغطت أكثر من مائة ألف كيلو متر. وفي الوقت الذي عاد فيه إبن بطوطة الي طنجة كان قد عبر مشياً وركوباً علي الحمار أو الجمل أو بحراً العالم الاسلامي وما وراءه في رحلة بحث عن المعرفة والخبرة. ورغم انه وصل في بحثه هذا الي الصين، الا انه قضي معظم الرحلة ضمن حدود ما كان يعرف ب "دار الاسلام" وهو ذلك الجزء من العالم الذي كان يحكمه المسلمون وتطبق فيه الشريعة. ومن الناحية الجغرافية كانت "دار الاسلام" هي مكةالمكرمة، لكنها بالنسبة لابن بطوطة أشمل من ذلك. اذ كانت هذه التسمية تشير الي الامة الاسلامية كلها، تلك الامة التي كانت المصدر الذي يستمد منه الحاج والتاجر والمحارب والفلاح هويته. وحيثما حل ابن بطوطة وجد شيئاً ثابتاً لا يتغير هو دين الاسلام وحضارته، وهذا ما كان يربط المجتمع حول العالم قبل ان يسمع أحد عن كلمة "عولمة". ومع ما يواجهه العالم الاسلامي من تغييرات وتحديات بسبب ربيع الثورات العربية تبدو رحلات ابن بطوطة خير موضوع لعدد "تايم" الخاص. فقد أرادت المجلة إكتشاف التغييرات التي حدثت في العالم أو لم تحدث منذ ان اجتازه ابن بطوطة. ويأخذنا العدد الاستثنائي مع آثار أقدام ابن بطوطة الي الصين وكازاخستان واوزبكستان وأفغانستان فنعرف تفاصيل عن بخاري وطشقند وسمرقند. كم أدهشني، ولا شك سيدهشكم، ان إبن بطوطة كما ذكرت مجلة "تايم" إكتشف بين ما اكتشف ان "الهريسة" معروفة في كل العالم الاسلامي، لكنهم في بعض الدول يطلقون عليها تسمية "هاليم"! وهي أكلة تاريخية تحلو فيها المشاركة، أي ان مذاقها يكون أحلي اذا تم تناولها بصورة جماعية! لكن الهريسة التي تحدث عنها ابن بطوطة ليست الهريسة الاسكندرانية الشهية. رحم الله ابن بطوطة رحمة واسعة. لقد كنا نعرف ان هناك إبن بطوطة واحد. الا ان العراقيين إكتشفوا بعد احتلال العراق ان هناك خمسة ملايين حفيد عراقي لابن بطوطة يجوبون القارات الخمس بحثاً عن ملاذ آمن وليس عن الهريسة.