يهل علينا شهر رمضان المعظيم بعد أيام.. ونحن نتأرجح بين مظاهرات مليونية واعتصامات واشتباكات وتراشق بالمولوتوف تارة.. وبالأحجار تارة أخري.. وتلويحات بالأصابع بين تيارات ترفع الشعارات الإسلامية تهدد.. وتتوعد.. ويترشح الزاهدون منهم في الحياة الدنيا.. للانتخابات الرئاسية.. ليعملوا بالسياسة.. وبالخداع والباطل دون أن يجهدوا أنفسهم بالدعوة للحق.. بغير طائل.. يتسابق من جماعات الزهد والورع وتقوي الله.. علي مقاعد السياسة 52 ائتلافا وحركة شبابية إسلامية تقول انها خرجت تدافع عن الهوية وإرادة الأمة.. ناهيكم عن الحركات والأحزاب الدينية.. التي تهدد بالعودة لصفوف المعتصمين في ميدان التحرير.. الخ.. هذا الجانب.. ليس موضوع هذه السطور.. لأنه يشكل وجها واحدا من وجوه رمضان الذي نستقبله بعد أيام.. أتحدث في هذه السطور عن السيل الجارف من الإعلانات التي تتسابق الفضائيات والأرضيات علي نشرها بمساحات كبيرة.. تتكلف المبالغ الطائلة لمسلسلات.. تعبر في جوهرها عن كل ألوان الطيف.. التي تختلط فيها الحابل بالنابل.. ولايستطيع المرء أن يفرق فيما بين الحمار والديك.. ولا تمت أي منها للحالة الثورية التي نمر بها منذ 52 يناير الماضي. مفهوم طبعا.. انني لا أعرف محتوي هذه المسلسلات التي بلغ عددها 04 مسلسلا.. ولكن الكتاب يقرأ من عنوانه ويكفي نظرة لأسماء المسلسلات التي سنراها في شهر الصيام لنعرف أنه لا علاقة لها بالثورة ولا بفساد حسني مبارك.. ولا برحلات الخارج من أجل الداخل. ولا بالنصيحة التي أسداها حسني مبارك للسياسي الإيطالي برلسكوني عندما سأله عن أفضل أسلوب للتفاهم مع القذافي فقال له باختصار شديد. عامله كطفل.. مجنون! من المسلسلات التي حظيت بسيل جارف من الإعلانات مسلسل »شارع عبدالعزيز« ويحكي قصة شاب يقطر فقرا تحول إلي مليونير.. ومسلسل »قصص الحيوان في القرآن الكريم« ومسلسل »الشحرورة«.. الذي وقفت أمام إعلاناته وقفة الانبهار والإعجاب.. لأنه يستثمر الشهر المعظم والحالة الثورية المجيدة.. في تقديم قصة حياة المطربة العربية الكبيرة صباح. لتكون لنا نبراسا نهتدي به وسط ظلمات الزمن الراهن.. والتي تجعل الواحد منا يتعثر في مشيته.. فتسقط هيبته! مسلسل الشحرورة.. كما تشير التوقعات سوف يسرق الأضواء من البرامج التي تحدث الناس عن الآخرة.. ويوم الحساب.. خصوصا وهي تظهر علي الشاشة بالضفيرة التي تتأرجح عشوائيا فوق الظهر. وسوف نتابع في شهر الصيام مسلسل »مسيو رمضان« وهو المسلسل الذي يتحدث عن حقبة ما قبل الحالة الثورية لسبب بسيط هو انه يتناول حكاية أرملة شابة تقع في غرام عضو مجلس الشعب.. وتبدو في اختيار اسم »مسيو رمضان« للعرض في شهر الصيام مفارقة تجارية.. تزيد من حدة جهل الأجيال القادمة.. بالفرق بين »مسيو رمضان« و»شهر رمضان«.. ناهيكم عن الدراما الدينية والبرامج التي يتصدرها أرباب العمائم.. ولكني في كل الأحوال.. علينا أن نعترف بأن مسلسلات رمضان.. هي الحالة الوحيدة التي يختار فيها المواطن العربي ما يشاء.. بإرادته الحرة.. ويستطيع تغييرها »بمزاجه«.. كلما أراء الترويح عن نفسه بممارسة قدرته علي التغيير. المواطن العربي.. لا يستطيع تغيير حكامه.. ولكن يستطيع ببساطة.. أن يختار المسلسل الرمضاني.. وتغييره.. عن رغبة أو عن عناد.. وأن يبدي رأيه في ملابس النجوم.. أو سوء الأدواء.. وأن ينتقد كل واحد منهم.. بحرية تامة.. وشفافية مطلقة.. دون أن يعرض نفسه.. أو أسرته وجيرانه للتهلكة. ولذلك يحظي نجوم المسلسلات بشعبية تفوق شعبية حكامنا.. لأن كل مواطن يشعر بأنه اختار نجمه المفضل.. بإرادته الحرة المستقلة.. ويكفي أن تعرف أن المواطن في بلدنا يعرف اسم يحيي الفخراني ونور الشريف وليلي طاهر.. ولا يعرف أسماء زعماء الأحزاب والحركات والائتلافات السياسية.. كل ذلك لا يهم.. المهم.. أن شهر رمضان يهل علينا بعد أيام.. والثقافة التي سادت طوال الثلاثين سنة لم تتغير.. ولم تتبدل ولم ترتفع لمستوي الحدث.. ولا الأحداث اليومية التي نعيشها.. مسلسلات رمضان.. وتاريخ حياة »الشحرورة« ومسيو رمضان.. الخ.. لا تسجل المرحلة الثورية التي نمر بها.. ولا تشكل نقلة نوعية يقودها المثقفون والصفوة.. للتعبير عن الفترة الزمنية الخطيرة والتي نمر بها.. لسبب بسيط هو اننا ورثنا عن النظام الإجرامي البائد تركة مثقلة بالقيم الفاسدة وبثقافة قضت علي النخبة المتميزة من أهل الفكر.. وقضت بصفة خاصة.. علي كل موهبة تعتز بكرامتها.. ولا تتملق كل من لديه السلطة.. قضي النظام الإجرامي البائد علي »عزة النفس«.. واحترام الذات.. والزهد في كل ما يحط بالإنسان بينه وبين نفسه.. وبالتالي فقد قضي علي أعداد هائلة من أرباب المواهب الذين أغلقت أمامهم الأبواب لعجزهم عن مسايرة مواكب النفاق.. بالكلمة.. أو بالانحناء المهين. والمثير في الموضوع انه كانت لدي حسني مبارك حساسية مفرطة.. تجاه كل من يشعر بأنه يعتز بكرامته. هذه الحالة التي نمر بها.. لم تشهدها.. بالمناسبة.. ثورة 32 يوليو 2591.. لأن ثورة يوليو ورثت عن النظام الملكي البائد سلسلة طويلة من نجوم الفن يتقدمهم أم كلثوم وعبدالوهاب.. ومن نجوم الأدب يتقدمهم طه حسين والعقاد.. ومن نجوم الصحافة يتقدمهم حسين فهمي ومصطفي وعلي أمين وإحسان عبدالقدوس.. الخ.. وبالتالي استطاعت ثورة يوليو 2591 أن تعتمد علي نخبة وطنية صلبة.. ساهمت إلي حد بعيد في نجاح ثورة يوليو 2591. صحيح ان عمليات الدس والوقيعة ضد هؤلاء النجوم بدأت ليلة الثورة.. ولم تتوقف لحظة واحدة.. حتي وفاة جمال عبدالناصر.. إلا انه من الانصاف ان نقول ان جمال عبدالناصر.. حرص علي المحافظة علي هذه الثروة الفكرية.. ولم يبددها.. لصالح شخص واحد.. كان يحلم بأن يبقي وحده علي ساحة الفكر والسياسة. ويتعين علينا.. من باب الوطنية وحدها.. قبل الوفاء.. أن نعترف بأن هذه النخبة المتميزة هي التي فتحت أبواب وقلوب الأمة العربية لسياسات جمال عبدالناصر.. ولولا هذه النخبة لتغيرت سياسات مصر في العديد من المعارك التي خضناها بشرف وبوطنية جارفة. انني اتطلع لمسلسلات رمضان التي ستعرضها الشاشات بعد أيام.. وأفتقد امثال صوت أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.. ونجاة الصغيرة.. افتقد أمثال كامل الشناوي.. أفتقد أمثال إحسان عبدالقدوس ويوسف ادريس.. الخ. إننا.. في ظل الحالة الثورية المجيدة.. سوف تطالعنا بعد أيام قصة حياة الشحرورة.. وتشير الاستطلاعات إلي أنه سيكون المسلسل الذي يحقق النجاح غير المسبوق.. لأن الأمة العربية في اليمن وفي سوريا وفي ليبيا.. وفي مصر.. وفي تونس تريد أن تعرف المزيد عن الحياة الخاصة للفنانة صباح.. التي كانت تتقاضي عن كل ساعة أمام الكاميرا خمسة وعشرين جنيها سنة 1591. ويبدو من المنطقي ان نسأل: هل لايزال في حياة »الشحرورة« المزيد من الأسرار؟ يبدو ذلك.. بعد أن أعلنت الفنانة كارول سماحة انها كانت تتهيب القيام بهذا الدور.. واعترفت بأن القيام بدور صباح ليس سهلا.. وأنها رفضت القيام بهذا الدور في البداية خوفا من عدم إعطاء الدور حقه.. وقالت ان قبولها القيام بدور الشحرورة كان أشبه بالمغامرة (!!) وصباح بدأت طريق الفن.. ولم تكن قد بلغت الرابعة عشرة من عمرها.. ولعبت أدوار البطولة في العديد من الأفلام التي لقي جميع الذين شاركوها البطولة.. ربهم.. منذ سنوات طويلة. لا أعرف ما هو الجديد الذي يمكن ان نقدمه عن حياة الشحرورة في رمضان.. فربما أتي المسلسل بما لا نتوقعه ومن واجبنا الانتظار كيلا نصدر حكما قبل الاستمتاع بالمسلسل.. تبقي بعد ذلك قضية يتعين علينا الإشارة إليها بسرعة.. وهي الحرب الشرسة التي تشنها بعض الأقلام علي عدد من النجوم.. لمعوا في زمن حسني مبارك.. واقتربوا من سلطانه.. وكانوا من المدافعين عنه بعد اندلاع حالة الثورية.. ومن بينهم علي سبيل المثال المطرب تامر حسني والفنان طلعت زكريا والفنانة نهال عنبر ومي كساب ونبيلة عبيد وصابرين.. الخ.. وهي حرب تنتمي هي الأخري لثقافة النظام الإجرامي البائد.. ولا يمكنها ان تعبر عن روح الثورة.. والوطنية.. أو المحافظة علي ثروة البلاد من المواهب النادرة. الحروب الشرسة التي تشنها عناصر الفاشلين.. ضد أي نجاح أيا كان موقعه أو اسم صاحبه.. هي حروب لا يمكنها أن تنتمي لبلدنا.. ولا لثقافتنا.. وإذا لزمنا الصمت إزاء هذه الحروب الفاجرة.. فسوف نجد بلدنا بعد سنوات قليلة.. وقد خلا من الأدباء والعلماء.. وكل أرباب المواهب.. والتي يكون أمامنا سوي إعادة مسلسل »الشحرورة« نعرضه مع كل رمضان.. في كل سنة.. ونستمتع بحياة الشحرورة.. وننسي أننا لم نتناول حبوب ضغط الدم!