د. محمد حبىب اثناء حواره مع محرر الأخبار الحقيقة أن السطور القادمة لا تعبر عن حوار صحفي واحد مع مصدر وحيد، بل يكاد يكون أقرب إلي 3 حوارات صحفية منفصلة متصلة، بعد أن فرضت التغيرات والمستجدات علي الدكتور محمد حبيب أن يظهر ب (3 وجوه). 3 حوارات.. و3 مقدمات... و3 عناوين فرعية كبري تندرج تحت كل واحد منها أحد أوجه شخصية د.محمد حبيب؛ الأول: خاص بعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين التي ظل عضوا بمكتب إرشادها ما يقرب من ربع قرن، قبل أن يحدث الخلاف "الدرامي" الذي انتهي باستقالته من الجماعة. أما العنوان الثاني، فهو "وجه جديد" ل د.حبيب؛ وكيل مؤسسي حزب النهضة، الذي عاد مرة أخري للمعترك السياسي عبر قيادة حزب وليد يسعي من خلاله لاستكمال مسيرته السياسية. في حين، يبقي دور "المفكر الإسلامي" الخبير بالتيارات والقوي المتفاعلة، صاحب الرؤية الوطنية، المطل علي بلده الخارجة لتوها من ثورة عظيمة.. تبحث عن سبل استكمال إنجازها. .. إلي تلك الحوارات. عندما يتحدث د. محمد حبيب عن جماعة الإخوان المسلمين، تجده وقد تملكته حالة من »الشجن النبيل«، كأنما يحمل في داخله حزنا دفينا علي »لقطة النهاية«، وكأنه يقول: لماذا جري ما جري؟ لا يتورط في (التبرع) بإجابات تدين الجماعة أو تنال من قياداتها.. يتحفظ بشدة، ولكن عند الضغط علي موضع الألم لا يكتم جرحا عميقا، ينبري في نقد لاذع، وهجوم قاسٍ علي الجالسين في "المقطم".. منيل الروضة سابقا! يقول د. حبيب: قضيت في هذه الدعوة 43 عاما؛ منها 24 عاما عضوا بمكتب الإرشاد، منها 6 سنوات نائبا أول للمرشد العام.. بدأت هذه الرحلة منذ كان عمري 25 عاما، حتي وصلت إلي سن ال 68 تمثل أخصب وأجمل فترات العمر.. التقيت خلالها بمجموعة من رموز الإخوان من تلاميذ الإمام البنا ممن أدين لهم بالفضل الكبير. أسأله: ما ملابسات مشهد النهاية في علاقتك بالإخوان.. وهل أزعجك وصف لجنة التحقيق معك بأنك "أخ عادي"؟ أولا أنا لم أخضع للتحقيق في الجماعة علي الإطلاق.. والحقيقة أن أعضاء لجنة التحقيق اتصلوا بي، وطلبوا لقائي، لكنني رفضت تماما، وقلت لهم: أنا لا ألتقي بلجان "فاقدة للصلاحية"، و"فاقدة للسلطات"، وهذا ليس معناه أنني فوق المساءلة أو النقد، بل علي العكس، فأنا طالما طالبت بتشكيل لجنة قانونية مستقلة استقلالا كاملا عن المنظومة الإدارية والشورية في الجماعة، يكون دورها التحقيق في المسائل الخلافية في عمل الإخوان، فماذا لو نشأت مشكلة بين أخ في الصف مع عضو مكتب إرشاد.. فمن سيحكم فيها؟ وكيف تفصل في النزاع لجنة تتبع مكتب الإرشاد؟ وماذا لو كان الخلاف مع المرشد العام نفسه؟ فمن سيحاسب من؟ وكنت دائما أتساءل: هل هناك هيئة تضع المرشد نفسه تحت المساءلة؟ خلاصة الأمر، أنه عندما اتصل بي أعضاء اللجنة، رفضت الخضوع للتحقيق نهائيا، فقالوا لي: "بلاش تحقيق.. احنا جايين نشرب شاي" فرحبت بهم، وفي هذا اللقاء طلبوا مني مبايعة الدكتور محمد بديع...... أقاطعه: تقصد المرشد العام للإخوان؟ يرد بحدة: لا.. لا تكتب المرشد.. بل اكتب د. بديع. (يصمت قليلا.. وكأن هذه المقاطعة "المقصودة" لمست وترا داخله، ثم يضيف: قلت لهم إن مسألة البيعة مرهونة عندي بلجنة تقصي الحقائق التي طالبت بتشكيلها عام 2009 حول ملابسات انتخاب المرشد العام من حيث توقيت انتخابات المرشد وكيفية إجرائها، فقد كان لي اجتهادي في تفسير اللائحة، بينما كان هناك فريق آخر له اجتهاد آخر، ووقتها طالبت بتشكيل لجنة قانونية مستقلة تجتمع لتفسير اللائحة، بحيث يكون تفسيرها ملزما للجميع، واقترحت أن يتم تشكيل تلك اللجنة من المستشار طارق البشري والمستشار كمال عبد العزيز والمستشار فتحي لاشين، لكن ذلك لم يحدث، وأصدر لهم المستشار فتحي لاشين فتوي بصحة انعقاد الانتخابات حينها.. ورغم عوار هذه الفتوي من وجهة نظري لم أثر أية مشكلة.. وكان ذلك آخر عهدي بهم. وإلي أي شيء انتهي عمل (لجنة الشاي).. إن كنت ترفض تسميتها ب (لجنة التحقيق)؟ سألتهم: هل لديكم صلاحيات وضمانات للاستماع لكل الأطراف؛ سواء المرشد السابق مهدي عاكف، أو د. محمد بديع، أو د. محمود عزت (أمين الجماعة وقتها)، أو المهندس خيرت الشاطر؟ فقالوا: لا.. هذا ليس من صلاحياتنا.. فقلت لهم: عندما يكون ذلك من صلاحياتكم فأنا مستعد للتحقيق.. أما بغير ذلك فلا. وقلت: لو أن لجنة التحقيق أثبتت خطأ موقفي، سأخرج في كل الصحف والفضائيات وأعلن مبايعتي العلنية للدكتور محمد بديع مرشدا للإخوان، وأبدي اعتذاري للجماعة، أما لو ثبت خطأ الرأي الآخر، فيكفيني اعتذارهم لي في غرفة مغلقة! والحقيقة أن هذه اللجنة جاءتني بعرض محدد، وهو أن أعلن البيعة للدكتور محمد بديع مرشدا عاما للإخوان - بموجب الانتخابات التي أعتقد أنها غير صحيحة- .. وفي المقابل يتم تصعيدي لعضوية مكتب الإرشاد علي أحد المقاعد التي ستخلو بخروج د. محمد مرسي ود. عصام العريان ود. محمد الكتاتني الذين انتقلوا لقيادة حزب (الحرية والعدالة).. باعتباري حصلت في الانتخابات الماضية علي أعلي الأصوات من بين غير الناجحين، وبنسبة تتعدي 40٪ من الأصوات. أي أن العرض بوضوح هو: إعلان البيعة ..مقابل عضوية مكتب الإرشاد.. وأنا رفضت ذلك. عند هذا الحد قالوا لي: نحن نحتاج لاتخاذ قرار.. فقلت لهم: اكتبوا أنني غير راغب في تولي أي موقع قيادي داخل الجماعة، وأعتذر عن عضوية مجلس شوري الجماعة، ومجلس الشوري العالمي، وأكتفي بأن أكون فردا "عاديا" داخل الجماعة.. فأنا الذي أمليت هذه الصيغة التي خرج بها القرار، وبالتالي لست غاضبا منها. ما صحة ما تردد حول عرض الجماعة عليك منصب (رئيس مجلس شوري الإخوان)؟ لا لم يحدث.. فهذا المنصب غير موجود باللائحة أصلا.. ولو تم استحداثه فيجب أن يكون بالانتخاب، كما أنه لا يوجد فصل في السلطات داخل الجماعة، بحيث تكون هناك سلطة إدارية تنفيذية علي رأسها المرشد ومكتب الإرشاد، وسلطة أخري مستقلة لمجلس الشوري العام للمراقبة والمساءلة، وأخيرا هيئة قانونية مستقلة لفض النزاعات والفصل في المشكلات. هل جري أي لقاء بعد ذلك بينك وبين د. محمد بديع؟ نعم التقينا 3 مرات؛ الأولي في شهر رمضان الماضي، والثانية قبل ثورة 25 يناير بأيام، والثالثة بعد الثورة قبل الإعلان عن إنشاء حزب الحرية والعدالة، والحقيقة أن اللقاءات الثلاثة تمت تحت مظلة من الود والأخوة.. لكنني لن أفصح عن تفاصيل ما دار فيها من نقاشات! ما رأيك في أداء من تعاقبوا علي منصب المرشد العام في وجودك كعضو مكتب إرشاد؟ الأستاذ عمر التلمساني كان رجلا ربانيا ملهما، ثم جاء بعده الأستاذ محمد حامد أبوالنصر، وكان رحمه الله جنديا مخلصا، وتولي منصب المرشد في ظروف بالغة الصعوبة، وتعرضت الدعوة لحصار شديد، ثم جاء الأستاذ مصطفي مشهور الذي كان من أكثر من عرفتهم إعلاء للشوري والديمقراطية رغم أنه بدأ في النظام الخاص، وكان نقيا ورعا زاهدا، وصاحب قدرة فائقة علي التخطيط والتنظيم والمتابعة، أما المستشار مأمون الهضيبي فقد كان فقيها قاضيا. أراك لم تتحدث عن مهدي عاكف أو محمد بديع؟ يصمت قبل أن يجيب: دعنا لا نتكلم عن الأحياء! أبادره: خشية الفتنة.. أم هربا من الإجابة؟ يبتسم: افهمها كما شئت! أجدك تتحدث بحنين وشجن عن القيادات السابقة من رموز الإخوان، بينما تغيب تلك النبرة عند ذكر القيادات الحالية.. لماذا؟ مبدئيا، هناك قيادة للجماعة الآن علينا احترامها، سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، ويجمعنا بالجميع؛ رفقاء درب وإخوة وتلاميذ ومحبين، مشاعر الود والمحبة والتقدير، لكن بالتأكيد قيادات الجماعة في الماضي كانوا أكثر انفتاحا ومرونة وعلما وفقها ورؤية من القيادات الحالية، والأستاذ البنا نفسه كان قائدا ملهما متطورا فذا، وكان سابقا لعصره بنصف قرن علي الأقل، حتي محبيه ومريديه وتلامذته لن يتكرروا. ما رأيك في فصل د. عبد المنعم من الجماعة بسبب إصراره علي الترشح للرئاسة بالمخالفة لقرار الإخوان؟ الفصل مسألة كبيرة، وليست سهلة، وأنا أفهم أن يتم فصل أحد الأعضاء في حالة مخالفته للجماعة مذهبيا أو حول أصول الفكرة والمنهج والأسلوب، كأن يتبني مثلا مبدأ العنف أو التكفير، أو حتي في حالة المخالفة الأخلاقية والسلوكية التي تمس الشرف والأمانة، أما أن يتم فصل عضو من الجماعة بسبب "مخالفة إدارية" إن جاز التعبير، أو اجتهاد سياسي مخالف لرأي الجماعة، فذلك غير موفق، وإذا كانت ثمة عقوبة، فكان يمكن الاكتفاء بتجميد عضويته في مجلس شوري الإخوان لمدة 3 شهور، لكن الفصل قرار غير موفق ويقدم رسالة غير مطمئنة للرأي العام. وأقول للجماعة ولأخي د. عبد المنعم أبو الفتوح "فإمساك بالمعروف أو تسريح بإحسان"، وأذكرهم "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته".. ونحن جميعا تجمعنا مظلة الإسلام وقيم وآداب المنهج الإسلامي. "استقالات.. فصل.. أزمة شباب".. هل يؤثر ذلك علي كيان جماعة الإخوان المسلمين؟ لا.. علي الإطلاق.. فالجماعة كبيرة ولها تاريخ عظيم ورصيد ضخم في عقل وذاكرة مصر والعالم، ولن تتأثر بخروج أي أفراد عن التنظيم، وإن كانت أزمة شباب الإخوان ممن أسسوا حزب التيار المصري، أو فصل د. أبوالفتوح، أو إعلان بعض الأفراد من الإخوان عن عزمهم إنشاء أحزاب سياسية، قد سبب بعض القلق في الصف وقواعد الجماعة، لكن هذا القلق سرعان ما يزول.. وتبقي الجماعة قوية راسخة. لو كنت في منصبك السابق؛ نائبا للمرشد، كيف كنت ستتعامل مع أزمة شباب الإخوان؟ أعتقد أنني سأكون أكثر فهما لرؤيتهم واستجابة لمطالبهم، وأكثر سعيا لاستيعابهم والحفاظ عليهم داخل الصف. هل قدمت استقالة رسمية لمكتب الإرشاد.. أم اكتفيت بإعلانها عبر وسائل الإعلام؟ بالطبع لم أقدم استقالة رسمية مكتوبة.. لكن بمجرد اتخاذي قرار الانضمام لحزب النهضة فضلت إعلان الاستقالة لرفع الحرج عني وعنهم.. و"خلاص أنا أصبحت خارج الجماعة".