لم يحدث ذلك في تاريخ الدولة المصرية منذ القدم، وبالأخص منذ أسسها محمد علي باشا، لم يحدث قط أن سلمت مصر معارضا لجأ إليها، أو عبرها زائرا، لهذا اشتهرت مصر بأنها ملاذ، لجأ إليها الشوام في مجموعات كبيرة التماسا للأمان في القرن التاسع عشر. والأرمن الذين احتموا بها من مذابح العثمانيين. وبعد الثورة توافد عليها الروس البيض هربا من الشيوعية وكان لهم ناد في شارع عماد الدين. جاء إلي مصر الكواكبي والأفغاني وصاحب كل دعوة. المؤمن والكافر وفي زمن جمال عبدالناصر آوت القاهرة معارضين سياسيين لناصر نفسه، ولكن التزاما بتقاليد الدولة المصرية التي اعتبرت ديار مصر ملاذا آمنا لكل مضطهد لم يمس أحد. ولم يقتل أحد، ولم يجبر تسليم أحد، إلي أن اخترق ذلك المبدأ في ولاية الرئيس السابق. وتولي عمر سليمان مسئولية العلاقات الليبية المصرية. أعرف منصور الكخيا منذ منتصف السبعينات، كان مثقفا كبيرا، محترما، مهابا، رقيقا، موضع تقدير الجميع، كان مدركا للهاوية التي تندفع إليها بلاده، جاء إلي مصر في زمن عبدالناصر الداعم الأول للقذافي في بداية الثورة، وكان الكخيا معارضا، لكنه كان يجيء آمنا ويخرج آمنا، ولعل هذا ما دفعه إلي المجيء لحضور ندوة من حقوق الإنسان، نزل في فندق سفير بالدقي، خرج كعادته ليتنفس هواء القاهرة التي كانت بالنسبة له آمنة. ذات تقاليد استقرت في العالم كله، لا يضام بها معارض، لم يعلم الإنسان الرقيق، ان قيما تغيرت، وأن مافيا بدأت تمسك بالوطن الذي كان ملاذا لكل مظلوم أو معارض. اعترضته سيارة اختطف،لا أعرف تفاصيل اللحظات الأخيرة التعسة في حياته، ما تردد وقتئذ أن تواطؤا جري بين الأمن المصري والأمن الليبي، وأن منصور الكخيا نقل في سيارة دبلوماسية ليبية، وضعوه في حقيبتها الخلفية، وتم تسليمه في ليبيا حيث ذبح كالخراف، كان سفير ليبيا وقتئذ ابراهيم البشاري الذي قتل فيما بعد بليبيا. وكان عمر سليمان مدير المخابرات العامة والمسئول عن العلاقات الليبية، وكان الأمر يتردد كاشائعات إلي أن كشف الثائر الشاعر عبدالرحمن شلقم في جريدة الحياة صباح السبت عن التفاصيل المؤلمة لاختطاف الكخيا في عملية اعتبرها إهانة لمصر ولتقاليدها، قال شلقم ان القذافي دفع مائتي مليون دولار مقابل شراء الحبشي من المغرب وذبحه أيضا كالخروف، هل دفع القذافي مقابل الكخيا، وإذا صح هذا فلمن؟، أدعو إلي فتح تحقيق واسع في هذا الموضوع المشين، وعلي اللواء عمر سليمان أن يرد وأن يوضح ما جاء في »الحياة«. ان صمته الذي جعلنا نحترمه لم يعد مفيدا الآن، خاصة في قضية صامتة كهذه ستظل مصدرا مشينا لنظام الرئيس مبارك، ونقطة سوداء. حقا.. ياللعار!