ليس من المقبول أن تظل الحكومة منقادة للشارع .. تتكلم إذا تكلم ، وتتحرك إذا تحرك ربما للمرة الأولي منذ قرابة 06 عاماً مضت، تتشكل حكومة في مصر، ويعلم أعضاؤها أن مدة بقائهم في مناصبهم الوزارية لن تزيد علي 021 يوماً لحين انتخاب البرلمان الجديد، وربما تقل! وللحق فإنني أشفق علي د. عصام شرف وعلي الوزراء الجدد المقرر أن يؤدوا اليمين الدستورية خلال ساعات أمام المشير حسين طنطاوي. الوقت المتاح لهم محدود للغاية، بينما المطلوب منهم يستعصي انجازه علي عصا موسي وجني خاتم سليمان وخادم مصباح علاء الدين، حتي لو تكاتفوا معاً! فالناس تنتظر من ثورتها وحكومتها، حلولاً فورية لمشكلات مزمنة، كتشغيل العاطلين وهم بالملايين، وكبح جموح الغلاء، وزيادة الأجور، وتحسين المرافق المتدهورة، وتطوير الخدمات وعلي رأسها الصحة والتعليم. غير أن بإمكان هذه الحكومة أن تدخل التاريخ كأنجح حكومة علي مر العصور، وأن تترك السلطة وهي في قمة شعبيتها، دون أن تقضي علي كل تلك المشاكل أو بعضها، لو استطاعت بالتنسيق والتعاون مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة تحقيق مطالب محددة دعت إليها الثورة، وأجمع عليها الشعب، وتبناها رئيس الحكومة نفسه عند مجيئه إلي مقر مجلس الوزراء قادماً رأساً من ميدان التحرير، وأيضا لو تمكنت من مجابهة التحديات والتغلب علي عراقيل تعترض مسيرة الثورة نحو تحقيق أهدافها.
وأجد علي رأس هذه المطالب ما يلي: أولاً: البناء علي ما تحقق من تفاهمات خلال الأسبوع الماضي بين الحكومة والسلطة القضائية بشأن تفريغ الدوائر التي تحاكم المتهمين بقتل الثوار وارتكاب جرائم فساد، لسرعة انجاز المحاكمات في جلسات يومية تتحقق لها العلانية، عبر الحضور، وعبر البث التليفزيوني، وعبر التغطية الصحفية التي لا ينقصها التصوير الفوتوغرافي. وإن كنت شخصياً أميل إلي تشكيل محاكم خاصة لمحاكمة المتهمين بقتل الثوار والمحرضين عليه من مسئولي النظام السابق، حرصاً علي سرعة القصاص العادل من الذين ستتم ادانتهم، واستعادة الثقة بين الشعب وسلطة الحكم ممثلة في المجلس العسكري والحكومة، بعد أن تزعزت واهتزت بعنف وكادت تنهار، اثر اخلاء سبيل الضباط المتهمين بقتل الثوار في السويس.
ثانيا: تفعيل قانون الغدر الذي صدر عن مجلس قيادة ثورة يوليو عام 2591، وجري تعديله بالقانون 371 لسنة 3591، لمحاكمة الذين أفسدوا الحكم والحياة السياسية في العهد الملكي ابتداء من أول سبتمبر عام 9391 واستغلوا النفوذ لتحقيق فوائد أو مزايا شخصية وتدخلوا للإضرار بالمصلحة العامة. وينص قانون الغدر علي معاقبة هؤلاء بالعزل من الوظائف العامة والحرمان من حق الانتخاب أو الترشيح للمجالس التشريعية والمحلية ومن تولي الوظائف والانتماء لأحزاب ومن عضوية مجالس ادارات الشركات والهيئات العامة والاشتغال بالمهن الحرة ذات التأثير في تكوين الرأي أو التربية الناشئة أو التأثير في الاقتصاد القومي لمدة 5 سنوات مع عدم الإخلال بالعقوبات الجنائية والتأديبية، وتصل العقوبة وفقا لهذا القانون الي اسقاط الجنسية. وفي رأيي انه يتعين تعديل القانون للنص علي ان تكون المحاكمة للذين افسدوا الحياة السياسية والحكم واستغلوا نفوذهم خلال مدي زمني معين، وتحديد الفئات الخاضعة للقانون كأعضاء الهيئة العليا للحزب الوطني، واعضاء امانة السياسات وامناء الأمانات المركزية بجانب الوزراء ومن في مستواهم من كبار موظفي الدولة الذين طالتهم اتهامات الفساد، كما يجب النظر في تشكيل عضوية هيئة محكمة الغدر لتقتصر علي القضاة دون غيرهم توخيا للعدالة. ولقد اسعدني تصريح المستشار محمد عبدالعزيز الجندي وزير العدل لجريدة »الأخبار« الاسبوع الماضي، الذي أعلن فيه ان هذا القانون تحت الدراسة للنظر في امكانية تطبيقه، وسواء بقي المستشار الجندي في منصبه، أو تقلدت الوزارة شخصية أخري، أتمني أن يكون قانون الغدر في صدارة اهتمامات الحكومة الجديدة، فليس من المعقول أن نحاكم شخصا زور الانتخابات، وأفسد سلطة الحكم، وتربح لنفسه ولحوارييه علي حساب الشعب، وتغول في استغلال نفوذه الحزبي والبرلماني، بتهم من عينة الحصول علي قطعة أرض بسعر بخس أو الاستيلاء علي مصنع او شركة بتراب الفلوس.
ثالثا: استعادة الأمن في البلاد عن طريق تنظيم حملات مشتركة للشرطة وقوات الجيش للقبض علي السجناء الهاربين وجمع السلاح الذي تمت سرقته من أقسام ومراكز الشرطة، بعد اعطاء مهلة أخيرة لتسليم النفس وتسليم السلاح مدتها لاتتجاوز أسبوعا واحدا، والاستمرار في محاكمة مرتكبي جرائم الترويع والبلطجة والاغتصاب امام المحاكم العسكرية ضمانا لسرعة العقاب وتحقيق القصاص والردع.
رابعاً: وضع جدول زمني محدد للعملية السياسية، يُعلن بوضوح موعد اجراء الانتخابات البرلمانية بمراحلها الثلاث، وتوقيتات الترتيبات التي تسبق الإدلاء بالأصوات، كفتح باب الترشيح وتقديم الطعون والبت فيها وإعلان الكشوف النهائية للمرشحين، وكذلك موعد الانتخابات الرئاسية وما ينبغي أن يسبقها من اجراءات. وفقا للاعلان الدستوري يتعين البدء في الاجراءات الخاصة بانتخابات مجلسي الشعب والشوري في موعد لا يتجاوز 03 سبتمبر القادم، أي أنه سيتم فتح باب الترشيح لهذه الانتخابات قبل هذا الموعد. غير أن إعلان مواعيد باقي الترتيبات وصولا إلي عملية التصويت، يرتبط باصدار قانوني انتخابات المجلسين وقانون الدوائر الانتخابية، وبالمثل يرتبط تحديد موعد الانتخابات الرئاسية باصدار القانون الخاص بها ولست أظن أن هناك عوائق تحول دون سرعة صدوره عقب اقرار قانوني انتخابات مجلسي الشعب والشوري.
أما بالنسبة للدستور.. فالمنتظر أن يصدر اعلان دستوري جديد يتضمن المباديء الحاكمة للدستور التي يعكف د.أسامة الغزالي حرب علي اعدادها بتوافق ما بين أحزاب التحالف الديمقراطي وباتفاق مع المجلس العسكري، استلهاما من وثائق عدة وضعها خبراء وقوي سياسية. ويتضمن الاعلان أيضا أسس اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية المائة المنوط بها وضع الدستور الجديد، ولست أظن أن الجهد الذي بذله مؤتمر الوفاق القومي علي طريق إعداد مسودة مقترحة لهذا الدستور، سوف يذهب سدي باستقالة رئيس المؤتمر د.يحيي الجمل من منصبه كنائب لرئيس الوزراء. ومن ثم يمكن اختصار المدة المحددة للجمعية التأسيسية لانجاز مهمة وضع الدستور الجديد في شهرين اثنين بدلا من ستة شهور وهو المجال الزمني الذي اتاحته التعديلات الدستورية لعمل الجمعية التأسيسية.
يتبقي أن تدرك حكومة شرف الجديدة أنه علي قدر الآمال تكون المساءلة. فليس من المعقول أن تظل الحكومة منقادة للشارع، تتكلم إذا تكلم.. وتتحرك إذا تحرك، إنما عليها أن تبادر بتلبية مطالب الشعب بأسرع ما تستطيع، وأن تمسك بالزمام لتقود الجماهير نحو تحقيق أهداف الثورة. وليس من المقبول أن تلقي الحكومة بالمسئولية عن اختياراتها وعن قرارات هي في نطاق اختصاصها علي المجلس العسكري كلما حاسبتها الجماهير، أو أن تحاول انتزاع مهام ليست من سلطتها كلما سألها المجلس العسكري عن مبررات تقصير أو أسباب تباطؤ. دعواتي بالتوفيق لحكومة شرف الجديدة. ولست أبالغ حين أقول إن أملا كبيرا يحدوني في أن يتمكن المجلس العسكري وحكومة الثورة من تحقيق المطالب التي أجمع عليها الشعب خلال هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. ويتبقي علينا جميعا أن نتنبه إلي محاولات الوقيعة بين جماعات الثوار عن طريق توزيع الاتهامات بالخيانة وبيع الثورة للسلطة، والوقيعة بين عموم الشعب وطليعته الثائرة عن طريق ترك قلة منفلتة تدعو إلي تعطيل المرافق العامة والحيوية، والوقيعة بين المجلس العسكري والجماهير عبر الرسائل غير الموفقة وتضخيم الأحداث ونشر الشائعات.