عندما صدر قرار الغاء »وزارة الاعلام« رحب به الكثيرون واعتبروه خطوة علي »طريق الديمقراطية« الذي مهدته الثورة، وكنت انا- وحدي تقريبا- بمثابة الصوت النشاز عندما كتبت معترضا علي ذلك القرار، وكانت حجتي- ومازالت- ان وزارة الاعلام لا تشمل فقط الشبكات الاذاعية والقنوات التليفزيونية ولكنها تضم فيما تضم هيئات وشركات ومؤسسات وقطاعات مختلفة مثل: »هيئة الاستعلامات« و»شركة صوت القاهرة«، و»مدينة الانتاج«، و»ديوان عام الوزارة«، و»قطاع الانتاج« و»قطاع الامن«، و»الهندسة الاذاعية«.. الخ. ومن ثم كان من الضروري تحديد اوضاع هذه الجهات اما بتحقيق استقلالية كل منها، او بإلحاق بعضها بوزارات ملائمة ولعل ما اكد وجهة نظري ان معظم هذه الجهات اصيبت بما يشبه الشلل عندما انقطع الحبل السري الذي كان يربطها بالوزارة، حتي ان عملية التجديد لبعض القيادات توقفت ليسود مزيد من الغموض علي طبيعة العمل، وها هي الحكومة قد استدركت خطأها، واعادت وزارة الاعلام، وان كانت الاصوات الرافضة لها قد انطلقت من جديد، وأجدني مرة اخري »صوتا نشازا« حيث ارحب بعودة الوزارة وان كنت اؤكد ان تكون لفترة »مؤقتة محدودة« لاصلاح وعلاج الخلل الذي وقع في الشهور الثلاثة التي غابت فيها، والمثير ان بعض الفضائيات ارتكبت خطأ مهنيا عندما اذاعت خبر اختيار الكاتب الصحفي »اسامة هيكل« وزيرا للاعلام اذ انها اكتفت في مقدمة النشرات بخبر »هيكل يؤدي اليمين امام المشير« وخبر اخر يقول: »هيكل يؤكد حرصه علي اخراج منتج اعلامي جيد« وكان من الطبيعي ان تتجه الاذهان فورا الي اشهر »هيكل«، وقفزت تساؤلات مندهشة: »هل يقبل محمد حسنين هيكل منصب وزير الاعلام والمعروف انه تجاوزه بكثير منذ سنوات عدة؟ هل يقبله وقد كان هو شخصيا مثار جدل واراء صاخبة بالرغم من كل ما يملكه من منطق ومستندات ووثائق؟«. علي أية حال تراجعت تلك التساؤلات عندما نشر الخبر بالتفصيل ليقول ان المقصود هو »اسامة هيكل« واللافت للنظر ان ذلك الخطأ المهني الذي خلق ذلك الالتباس وسوء الفهم، قد اتاح الفرصة للتوقف امام الصعوبات والتحديات التي يواجهها وزير الاعلام واذا كان هيكل »الاستاذ« قد خاض ببراعة وثقافة هائلة معارك كثيرة وسار خبيرا بالسير ضد التيار مهما كان جارفا، فقد صار علي هيكل »الجديد« ان يواجه هو الاخر صعوبات وتحديات لا يستهان بها اذكر منها: - ضرورة ان يتجاوز سريعا ردود الفعل السلبية ازاء عودة »وزارة الاعلام« وازاء اختياره هو »شخصيا« وذلك بالعمل المكثف مستعينا بعدد محدود من الخبراء المشهود لهم، ومستثمرا ما يتمتع هو به من توازن الشخصية وثقافة سياسية واعلامية وقدرة ملحوظة علي الاستيعاب والفكر المنظم. - اعطاء اولوية لمحاولة استعادة الاعلام الرسمي لمصداقيته، وهي مهمة صعبة لانه ظل عشرات السنوات خاضعا للتعليمات والتوجيهات التي حولته الي بوق للنظام والحزب، ثم كانت السقطة الكبري عندما قامت الثورة، وارتكب خطيئة »التعتيم عليها« ثم خطيئة التضليل والسعي لتشويه صورة الثورة والثوار، الي ان سقط رأس النظام ومعه بعض اقطابه واولهم كان وزير الاعلام انس الفقي، هذا ومما يحتم الاسراع باستعادة المصداقية انتشار القنوات والاذاعات الفضائية الخاصة والعربية والاجنبية التي تكشف كل الحقائق، كما ان »مناخ الحرية« الذي خلقته الثورة لن يسمح بتجاهله او تجاوزه. - الاسراع باصدار اللائحة المالية التي تحقق العدالة وتغلق ملف التفاوت الرهيب في الاجور. - اتاحة الفرص الكافية للاكفاء والموهوبين من عناصر العمل الاذاعي والتليفزيوني خاصة ان معظمهم كان قد اصيب بالاحباط فآثروا العزلة والتوقف عن العطاء او هاجروا الي القنوات الخاصة »العربية والاجنبية« التي استفادت كثيرا من تفوقهم وابداعهم. - معالجة المشكلة المالية التي اوقعت اتحاد الاذاعة والتليفزيون في عجز بلغ المليارات ويساعد في ذلك- الي جانب اعادة الهيكلة- رفع قيمة »رسم التمغة« المقرر منذ اكثر من سبعين عاما علي فاتورة الكهرباء والمضحك ان هذا الرسم مازال حتي وقتنا هذا مجرد »2 مليم« ولو انه ارتفع الي »جنيه واحد« للشرائح الصغري، وجنيهين للشرائح الاكبر لحقق عائدا ماليا ضخما، لذلك يمكن فرض رسم مشابه علي فواتير التليفون الارضي والمحمول وهنا يرتفع العائد الي مستوي اكبر يحقق اعلي مستوي من الاداء والانتاج. - تنفيذ الدراسة التي سبق ان اعدتها مؤسسة »بوز آلان« الدولية بتحويل بعض الانشطة ذات الطبيعة الاقتصادية الي شركات تجارية علي ان تؤول ملكيتها الي العاملين فيها من خلال اسهم وسندات، وكذا نقل بعض الخدمات الي وزاراة معينة كأن تذهب القنوات التعليمية الي وزارتي التربية والتعليم العالي. - احياء قانون اتحاد الاذاعة والتليفزيون الذي انشأه هيكل »الاستاذ« عندما كان وزيرا للاعلام في الستينيات والذي كان يستهدف تحقيق استقلالية الاتحاد لكن جاء من الوزراء من ادخل تعديلات علي ذلك القانون لانتزاع السلطات لانفسهم، ويمكن الاسترشاد بالقانون الاصلي للوصول الي صيغة »الهيئة القومية للاعلام« او ما يشبه هيئة الاذاعة البريطانية »B.B.C«. - السعي الحثيث لوضع استراتيجية جديدة للاعلام تدعمها مشروعات قوانين توضح سبل التصرف في الامبراطورية الاعلامية الهائلة التي تمتلكها الدولة بما يحقق حرية التعبير واستقلالية الرأي. - مساندة عملية قيام نقابة »الاذاعيين بالراديو والتليفزيون« التي تم اعداد مشروع القانون الخاص بها من خلال لجنة ضمت خبرات اعلامية وصحفية واكاديمية، ومن البديهي ان هذه النقابة سيكون لها دورها المؤثر في المنظومة الاعلامية المنشودة من خلال »ميثاق الشرف الاعلامي« الذي تتبناه و»لجنة القيم« التي تمثل متابعة وتقييم المجتمع المدني لما تبثه الاذاعات والفضائيات بعيدا عن سلطة الادارة او الملكية. - اخيرا الواضح ان امام »اسامة هيكل« ملفات بالغة التعقيد لكنها قابلة للتعامل بأسلوبه الواعي وان كان عليه الا يفتحها كلها مرة واحدة وهذا ما ارهق اللواء طارق المهدي الذي لا ينكر احد دوره المهم المحترم.