تابعت باهتمام شديد حملات الانتخابات الرئاسية في مصر، ووجدت أن المرشحين المحتملين وأغلبهم من الأفاضل دون اشارة إلي أحد رفضا لمبايعتي وتأييدي لأي منهم الآن. يجوبون محافظات مصر، ويعقدون مؤتمرات صحفية، ومؤتمرات انتخابية، ويبذلون الجهد في تعبئة وحشد الجماهير أو بدأوا في الاستعداد لعمل الشعارات، ويستحوذون علي اهتمام الإعلام في الصحف والتليفزيون والقنوات الفضائية حتي امتدت التغطية والتحقيقات إلي أسرهم وبصفة خاصة زوجاتهم باعتبارهن محتملات لأن تكون إحداهن »سيدة مصر الأولي« كما ذكر في هذه التحقيقات الصحفية. وأجرت الصحف والقنوات الفضائية لقاءات مع الزوجات بصورة لافتة للنظر، وكأننا أصبحنا في معركة حقيقية لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وأصبحنا ندير هذه المعركة مثلما هو حادث في أمريكا مثلا. كما أنه من الغريب أن يتحرك هؤلاء المرشحون المحتملون وكأن الثورة حققت أهدافها وتم تأسيس النظام الديموقراطي الحقيقي الذي يمكن أن يسهم في خلق المعارك الانتخابية الحقيقية وليست الوهمية أو المزعومة. ويعلم أغلب هؤلاء المرشحين المحتملين أنهم لن يستطيعوا الوفاء بالشروط المعلنة في البيان الدستوري وقبلها الاستفتاء، وأهمها هو الحصول علي (03) ألف توكيل من أكثر من عشر محافظات، علي الأقل. ومن ثم فإن قلة منهم هم »محتملون« بالفعل أو الأغلبية »مفترضون« أي مرشح افتراضي مع نفسه!! والسؤال المهم في هذا الصدد: ما الذي حدث للثورة من إنجازات حتي نتسابق بهذا الشكل الكبير واللافت علي كرسي رئاسة الجمهورية؟ في البداية أقول إن هذا التسابق حق لكل مواطن تتوافر فيه الشروط التي لا يتم استيفاؤها إلا بإرادة شعبية كما نعرف. ولكن المهم أن الثورة لم تستقر بعد ولم تحقق أهدافها المطلوبة.، ولم يسقط النظام الحاكم في عهد حسني مبارك، بعد، ولازالت ذيوله وسياساته وأفكاره في الغالب لم تتغير. فكل ما هنالك أن القشرة الخارجية هي التي أزيلت فقط والمتمثلة في تنحية الرئيس مبارك وأصبح رئيسا مخلوعا لأول مرة في التاريخ المصري علي الأقل الحديث، ومحاكمة بعض رموز نظام حكمه. فلازالت الحكومة تقاد من خلال مراكز لجنة السياسات ورموز الحزب الحاكم ولازال في الحكومة أكثر من نصف أعضائها كانوا وزراء في حكومات حسني مبارك السابقة، وأعضاء في الحزب الوطني المنحل. ولازالت الحكومة تفتقر إلي المبادرات الثورية، فلم تبادر بحل الحزب الوطني الفاسد ولم تبادر بحل المجالس المحلية حتي ان وزير التنمية المحلية وهو من رموز الحزب السابق كان يحارب فكرة الحل حتي آخر دقيقة قبل صدور حكم القضاء الإداري في الأسبوع الماضي.. فحل الحزب الوطني وحل المجالس المحلية تم بإرادة شعبية من خلال قضاء الشعب. كما لم تبادر الحكومة حتي الآن بإصدار مرسوم بالابعاد السياسي لمدة عشر سنوات لقيادات الحزب الوطني المنحل وأعضاء مجلسي الشعب والشوري المنحلين والمزورين أعضاء الحزب الوطني المنحل. ولازال الشعب يقاوم من أجل استصدار حكم قضائي بذلك. إذن أين هي حكومة الثورة؟! الرأي القاطع عندي ان الحكومة الحالية برئاسة شرف هي حكومة لجنة السياسات، وان كان ذلك قاسيا في التحليل فهي ليست حكومة ثورية، وهي امتداد لنظام وسياسات وأفكار ونمط صنع القرار في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك!! كما أن الحكومة والمجلس العسكري، لا يعترفان بأن النظام قد سقط، ويعترفان فقط بتنحية حسني مبارك وبحياء شديد، وما يجري في »شرم الشيخ« ليس بغريب علي الفهم، وما صدر بحق سوزان مبارك زوجة المخلوع، ليس بغريب! ودليلي في ذلك أن ما طرح من تعديلات علي الدستور (1791)، والاستفتاء عليه، ثم صدور الاعلان الدستوري تأكيدا لسقوط الدستور (1791)، إلا أن الممارسات بإصدار تعديلات علي قانون الأحزاب، ثم قانون الحقوق السياسية، ويجري الآن علي عكس إرادة جميع القوي السياسية اصدار تعديلات علي قانون مجلسي الشعب والشوري!! وفي مجال الحريات: صدر قانون لتجريم المظاهرات والمحاكمات العسكرية للشباب، في حين يقدم رموز النظام السابق بصورة هادئة لمحاكمة صورية تسير ببطء مما جعلنا نتشكك في كل هذه الاجراءات. وفي مجال الأمن: فشلت الحكومة في تطهير وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها، بعد سقوط الدولة البوليسية في أعقاب ثورة يناير المحترمة. وكذلك أيها السادة القراء، في مجال الفساد، لازال يتحرك كما هو، وليست هناك مقاومة فعلية، ولا محاكمات جادة، ولا جهود في مكافحته، ودليلي صدور قرار من مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتسوية أوضاع رجال الأعمال والمتعثرين والمصالحة معهم!! أما العدالة الاجتماعية، فحدث ولا حرج، فإن مجمل ما تم لا يمت بصلة بتحقيق هذا الهدف الثوري، ولازالت تحايلات سمير رضوان والحكومة علي الأجور والحد الأدني والأقصي في اطار التسويفات. ويكفي أن مستشاري الحزب الوطني المنحل يديرون وزير ووزارة المالية!! فلا حرية حقيقية، ولا تطهير أو تغيير، ولا عدالة اجتماعية حقيقية، ومن ثم فإن الحكومة والمجلس العسكري فشلا في تحقيق أهداف الثورة الحقيقية. لذلك: أقول للمرشحين المحتملين والافتراضيين لرئاسة الجمهورية، أوقفوا هذه الحملات وهذا الصراخ الإعلامي الزاعق حول ذلك، والتفوا بكل طاقاتكم حول الثورة ورموزها الوطنية والشباب للضغط بتأسيس النظام الديموقراطي أولا، قبل أن يأتي يوم يقال فيه أن جهودكم كانت تصب في دعم القوي المضادة للثورة والتفاف حولها بطريقة غير مباشرة. وفقنا الله جميعا في خدمة ثورة الشعب المصري، وخدمة وطننا الغالي مصر.