الفاتحة أم الكتاب التي لا تصلح الصلاة بدونها، والله سبحانه وتعالي يقول في حديث قدسي: »قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.. فإذا قال العبد : »الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ». قال الله عز وجل : حمدني عبدي. فإذا قال : »الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)» قال الله عز وجل : أثني عليًّ عبدي، فإذا قال: »مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)» قال الله عز وجل: مجدني عبدي.. فإذا قال: » إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)» قال الله عز وجل : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.. وإذا قال : »اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)» قال الله عز وجل: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل. وعلينا أن نتنبه ونحن نقرأ هذا الحديث القدسي أن الله تعالي يقول : »قسمت الصلاة بيني وبين عبدي»، ولم يقل : قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، ففاتحة الكتاب هي أساس الصلاة، وهي أم الكتاب: نلاحظ أن هناك ثلاثة أسماء لله قد تكررت في بسم الله الرحمن الرحيم، وفي فاتحة الكتاب ، وهذه الاسماء هي : الله، والرحمن، والرحيم. نقول: إنه ليس هناك تكرار في القرآن الكريم، وإذا تكرر اللفظ فيكون معناه في كل مرة مختلفا عن معناه في المرة السابقة، لأن المتكلم هو الله سبحانه وتعالي.. ولذلك فهو يضع اللفظ في مكانه الصحيح، وفي معناه الصحيح.. قولنا: »بسم الله الرحمن الرحيم» هو استعانة بقدرة الله حين نبدأ فعل الأشياء.. إذن: فلفظ الجلالة »الله» في بسم الله، معناه الاستعانة بقدرات الله سبحانه وتعالي وصفاته، لتكون عونا لنا علي ما نفعل.. ولكن إذا قلنا »الحمد لله» .. فهي شكر لله علي ما فعل لنا. ذلك أننا لا نستطيع أن نقدم الشكر لله إلا إذا استخدمنا لفظ الجلالة الجامع لكل صفات الله تعالي، لأننا نحمده علي كل صفاته ورحمته بنا حتي لا نقول : بسم القهار، وبسم الوهاب وبسم الكريم، وبسم الرحمن.. نقول : الحمد لله علي كمال صفاته، فيشمل الحمد كمال الصفات كلها. وهناك فرق بين »بسم الله» الذي نستعين به علي ما لا قدرة لنا عليه.. لأن الله هو الذي سخر لنا كل ما في هذا الكون، وجعله يخدمنا، وبين »الحمد لله» فإن لفظ الجلالة إنما جاء هنا لنحمد الله علي ما فعل لنا. فكأن »بسم الله» في البسملة طلب العون من الله بكل كمال صفاته.. وكأن »الحمد لله» في الفاتحة تقديم الشكر لله بكل كمال صفاته. و»الرحمن الرحيم» في البسملة لها معني غير »الرحمن الرحيم» في الفاتحة، ففي البسملة هي تذكرنا برحمة الله سبحانه وتعالي وغفرانه حتي لا نستحي ولا نهاب أن نستعين باسم الله إن كنا قد فعلنا معصية.. فالله سبحانه وتعالي يريدنا أن نستعين باسمه دائما في كل أعمالنا، فإذا سقط واحد منا في معصية، قال : كيف أستعين باسم الله، وقد عصيته؟ نقول له : ادخل عليه سبحانه وتعالي من باب الرحمة.. فيغفر لك وتستعين به فيجيبك. وأنت حين تسقط في معصية تستعيذ برحمة الله من عدله، لأن عدل الله لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. واقرأ قول الله تعالي: »وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَي المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49)» »الكهف».