لا أعتقد أن من يرفض إرادة الأغلبية تحت أي دعوي يصلح ابتداء للترشح لرئاسة مصر في المرحلة المقبلة، ناهيك عن قدرته علي تحقيق الفوز بالمقعد الأثير، ولا أتصور أن من لديه الاستعداد والقابلية كي يخون إرادة الشعب ويقفز عليها، قادر علي تمثيله والتعبير عنه واحترام توجهاته مستقبلا، ولا أتفاءل خيرا بمن يتغني بالحرية والديمقراطية ليل نهار، وفي أول اختبار عملي يسقط سقوطا مدويا، إنها نفس دعاوي وأكاذيب رجال العهد المستبد البائد، إذن ما الفرق بينهما؟! أقول هذا بمناسبة الحوار الذي أجرته صحيفة "الأخبار" يوم الثلاثاء قبل الماضي مع الدكتور محمد البرادعي، واحتل العناوين الرئيسية للصفحة الأولي، وشعرت عقب قراءته بالصدمة ويبدو أن ما يصدمني في شخصيات مصرية بارزة أصبح كثيرا هذه الأيام لأنه تعامل في هذا الحوار، الذي نشر علي صفحتين كاملتين، باستخفاف واستهانة مؤسفة مع نتيجة الاستفتاء، الذي حدد فيه الشعب المصري بكل وضوح طريقه نحو المستقبل، وخطوات استكمال البناء بعد الثورة. كنت أتصور أن الدكتور البرادعي سوف يعوض عدم اقترابه من مكونات المجتمع المصري، ومعايشته لهموم وآمال وأحلام الناس، وإحساسه بآلام ومتاعب وطموحات رجل الشارع، بأنه قادم من بلاد الغرب، التي نهضت وتقدمت بفضل احترامها للرأي الآخر، والتزامها الراسخ بقيم ومبادئ الديمقراطية، وأنه ملتزم بتطبيق هذه القيمة الإنسانية الجميلة، وسوف يحترم هذا المبدأ الذي شاهده وعايشه في بلاد الفرنجة، وأنه يحلم بديمقراطية مماثلة تنقل مصر إلي المستقبل المشرق. وأعتقد أن هذا الحوار الصحفي الكاشف، خصم كثيرا من رصيد الدكتور البرادعي لدي رجل الشارع المصري، ولدي أبناء الوطن المخلصين الأوفياء الذين يتوقون لممارسة الحرية والديمقراطية، وأعتقد أنه ربما قضي علي آماله في الفوز برئاسة مصر، لأن مغازلة النخبة العلمانية واليسارية، التي لا تملك رصيدا يذكر في الشارع المصري، وكذلك الحرص علي نيل رضا ومباركة الحكومات الغربية برفض رأي الأغلبية، هو رهان خاسر لا محالة، لأن مصر الثورة اختلفت كثيرا. الأمر المؤسف حقا أن الدكتور البرادعي لا يقف وحده في هذا المربع الشائن، بل يشاركه معظم من أعلنوا رغبتهم في الترشح لانتخابات الرئاسة حتي الآن، فهل يمكن أن يحصل هؤلاء علي ثقة شعب، أعلنوا بكل وضوح رفضهم لإرادته الحرة؟! وهل يمكن لأي من هؤلاء أن يزعم أنه يؤمن بالديمقراطية ويحترم الرأي الآخر، وفي نفس الوقت يسفه اختيار الأغلبية، ويستهين بآراء أكثر من ثلاثة أرباع الشعب المصري، الذين شاركوا لأول مرة في الاستفتاء الأخير؟! إنني لن أصدم مرة أخري في أي مثقف أو سياسي أو كاتب لا ينتمي بصدق إلي ضمير الأمة، ولا يعبر بحق عن أصالتها وعقيدتها وتاريخها، ولا يؤمن بوضوح بحقها الكامل في أن تعبر عن نفسها بكل حرية، ولا ينحاز بقوة إلي ثوابتها وقيمها الحضارية، بل سأبحث أولا عن رؤيته السياسية وقناعاته الفكرية، وأناقش بموضوعية أفكاره ومبادئه، ومدي تواصله مع ثقافة وحضارة أمته، حتي تكون ثقتي في محلها. إن مصر ما بعد "ثورة التحرير" التاريخية، في حاجة إلي رئيس وطني حر، يؤمن بدورها ورسالتها وحضارتها، ويسعي من أجل رقيها ونهضتها وتقدمها، ويساعدها كي تحتفظ بقوتها ووحدتها وريادتها، ويجاهد من أجل تحقيق الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والازدهار الاقتصادي لجميع أبنائها، ويسعي إلي بناء نهضة حقيقية، قائمة علي الإيمان والعلم والمعرفة والإبداع، وينطلق من ثوابت المشروع الحضاري الإسلامي، ليعمق صلتها بدينها وأمتها، ويواجه به خصومها وأعداءها.