آن الأوان ان تصل ثمار ثورة 52 يناير للطبقة العاملة التي قدمت الكثير والتي سُرقت كثيرا، والتي لم تحصل إلا علي القليل، فالنقابات العمالية في مصر لم تكن اكثر من فرع تابع للحزب الوطني المنحل، تأتمر بأمره. وذلك في اطار سعي السلطة البائدة إلي تكميم الحركة العمالية وإلي مصادرة قوتها، وقد بلغت الحركة النقابية العمالية في مصر طوال حكم النظام السابق من الذل والمسكنة بفضل بعض القيادات العمالية الفاسدة التي تبوأت المناصب العليا في النقابات العمالية إلي درجة ان المصانع التي انشأها الشعب المصري في الستينيات بعرقه وجهده تم بيعها طوال حكم النظام البائد وتم تشريد الآلاف من العمال دون ان تتحرك هذه القيادات النقابية لكي تدافع عن مصالح العمال. بل ان بعضا من هذه القيادات متورط حتي أذنيه في جميع قضايا الفساد التي حدثت في ظل النظام الفاسد. وقبل ان نشرع في كتابة وشرح الصراع الدائر الآن بين وزير القوي العاملة د.أحمد البرعي وقيادات اتحاد نقابات العمال فنحن نطلب من الجهات المسئولة فحص ثروات بعض هذه القيادات التي تضخمت واصبحت رموزها تقتني السيارات الفاخرة ذات الستائر وتقتني الاستراحات في المنتجعات السياحية وتسافر شرقا وغربا بالطائرات إلي مختلف دول العالم بأموال الطبقة العاملة وببدلات سفر بالدولار واليورو بحجة حضور المؤتمرات والندوات العمالية وتبادل الزيارات السياحية والعلاجية وتلك الفيلات والشقق الفاخرة في ارقي الاحياء والمدن الجديدة والشيء الغريب ان هذه القيادات منها من خرج إلي المعاش ومنهم من اقترب من العقد الثامن من عمره المديد واعتلوا مقاعدهم النقابية منذ سنوات طويلة ومازالوا متمسكين بها حتي اليوم بل يرتبون انفسهم لاقتحام الدورة النقابية الجديدة! ويدافعون باستماتة ضد وزير القوي العاملة الذي جاء هذه المرة بعد سنوات طوال من خارج »التنظيم« لكي يقضي علي الافكار البشعة التي افقدت الحركة العمالية سماتها منذ فترة طويلة وافرغت العمل النقابي من مضمونه وحولته إلي وظيفة للتكسب والمنظرة علي حساب العاملين الغلابة ولم تحل أو تتصدي لمشكلة واحدة من المشاكل التي انهكت كاهل العمال وكان في مقدمتها مشروع الخصخصة والخراب والفساد الذي صاحب المشروع والغريب ان الكتاب والمثقفين والخبراء الشرفاء تصدوا لهذا المشروع الفاسد إلا التنظيم النقابي الذي ساهم بعضا من قياداته في تسريع تنفيذه واستفادوا منه ماديا ووظيفيا. قضية الاجور، كان الاتحاد آخر من تصدي لهذه المشكلة، التأمين الصحي وفساده اكتفي الاتحاد بعدة ندوات ومؤتمرات لا تغني ولا تسمن من جوع! مشروع المعاش المبكر الذي اضاف لكارثة البطالة اعدادا هائلة من العاملين ليزيد المشكلة بدلا من ان يساهم في حلها! مشاكل العمالة المصرية في الخارج لم يخطر علي بال احد من القيادات التدخل فيها لرعاية هذه العمالة وحل مشاكلها! لكن كان اهم شيء لهذه القيادات هو التغني بالحفاظ علي نسبة ال 05٪ والجري خلف قيادات الحزب الحاكم املا في الفوز بموقع »تمثيلي« في الحزب لينال الرضا أو ينال مقعدا في مجلس الشعب أو التعيين في الشوري.. أو الهبوط علي مقعد الوزير في مدينة نصر باعتبار ان الوصول اليه يجب ان يبدأ من شارع الجلاء مرورا بكورنيش النيل مقر الحزب الوطني المحترق! وعلي اسوأ الاحوال الفوز بأي منصب استثماري في أحد مشروعات الاتحاد وهي معروفة وواضحة. تحركت بعض القيادات فقط للقيام بالدور الذي تفوقوا فيه ولهم خبرة أصبحت قديمة وبالية وقامت بدور خسيس وحقير بمشاركتها في معركة الجمل لقتل الثوار والمتظاهرين المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة.. علي امل الاستمرار في مواقعهم! قيادات قدمت رشاوي مادية وذهبية وسيارات لقيادات الحزب المنحل في كل مناسبة وحصلت علي المقابل، مناصب لم تكن تحلم بها، وفشلت فيها، وعملت في خدمة النظام السابق، الآن تحاول العودة لاستكمال، ما بدأته منذ سنوات!. كل هذه المخالفات والانحرافات والعمال الغلابة لا حول لهم ولا قوة ولا يجدون من يلجأون إليه خاصة بعد تكرار هروب هذه القيادات من الابواب الخلفية للاتحاد خوفا من مواجهة المظاليم.. وكانت الثورة التي فاجأت الجميع وقاومها بعض قيادات الاتحاد!! وكان من نتائجها تحطيم التابوهات القديمة وجاء وزيرا من خارج الاتحاد بعد 06 عاما من احتكار المنصب.. وقرر الوزير اطلاق الحريات النقابية وعدم التدخل في شئون التنظيم النقابي ووقف الدعم الحكومي لتلك النقابات وهو ما اعتبرته قيادات اتحاد العمال هجوما من الوزير الذي اعلن عن مشروع قانون الحريات النقابية ليتماشي مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر وهو ما عارضته قيادات الاتحاد معتبرينه تدخلا من الحكومة في شئون التنظيم!.. انفجرت هذه الخلافات بين الوزير وتهديدات العمال، وكانت الفضيحة امام وفود 081 دولة في جنيف.. ويجب ألا تمر هذه الفضيحة مرور الكرام.. الفشل في تحقيق آمال وطموحات ملايين العمال والانحرافات التي ارتكبت كانت وراء هذه الاصلاحات النقابية وحرية اطلاق العمل النقابي ومنع احتكاره لصالح شخصيات محددة نستخلص من كل ذلك الآتي: هناك قيادات عمالية ارتفعت بشعوبها وارتفعت بالطبقة العاملة، لكننا في مصر ابتلينا بقيادات عمالية خسفت الطبقة العاملة المصرية وتواطأت وتآمرت علي بيع المصانع والشركات التي كانت تأوي ملايين العمال وشاركت في تشريدها وفي مضغ كل حقوقها حتي اصبحت الطبقة العاملة المصرية طبقة بائسة طحنتها النقابات المفروضة عليها والتي تآمرت مع سلطة سياسية فاسدة طحنت كل طبقات الشعب المصري وبدلا من ان ترتقي مصر بجهد ابنائها انحدرت إلي مصاف الدول الفقيرة التي تبيع مصانعها لمستثمر أجنبي وفوق ذلك تقترض من الخارج وهذا يعني ان ما بنيناه بجهدنا وعرقنا في الستينيات قد باعه النظام السابق امام مرأي ومسمع ما يسمي بالنقابات العمالية التي لم تعرف سوي حشد العمال لتأمين النظام السابق والتطبيل له حينما يلقي عليهم علاوة في عيد العمال قيمتها الاجمالية لا يساوي احد المبالغ التي سرقها أصغر صبي من صبيان النظام السابق ولا تلبث ان يلتهمها الغلاء. ليس شرطا إذن ان تكون القيادات النقابية تنتمي إلي اصول عمالية لان اعظم القيادات العمالية لم تكن من اصول عمالية لان الاساس في تمثيل الطبقة العاملة هو الانحياز الايديولوجي لهذه الطبقة. ليس الانتماء العضوي فقد يكون عاملا ولكنه خائن بطبعه، وقد يكون من غير العمال لكنه ينحاز إلي العمال ولدينا قيادات عمالية ارتكبت جرائم لا تغتفر في حق الطبقة العاملة.. لازالت بعض من هذه القيادات موجودة وتمثل العمال، ولعل مراجعة بسيطة للمكافآت التي كانت تتلقاها تلك القيادات العمالية تفضح مسلكهم.. فقد كان منهم من يتحصل علي مئات الآلاف من الجنيهات شهريا في صورة بدلات ومكافآت تحت مسميات عديدة وكان الثمن الذي دفعته تلك القيادات هو إسكات الطبقة العاملة وتأليبها ضد بعضها، وكانت محصلة ذلك هو ما نحن فيه الآن، طبقة عاملة لا تتقاضي ما يقيم أودها، تصارع من اجل مجرد الاستمرار في الحياة ونقابات هزيلة باهتة لا تحسن إلا الطبل والزمر. وكان من شأن كل ذلك ان تحول كل هذه النقابات إلي اجهزة تابعة لأمن الدولة السابق تمارس النهب وتمارس القمع، وحينما يأتي وزير القوي العاملة لينحاز إلي حقوق الطبقة العاملة في تأسيس نقاباتها المستقلة فان الكهنة الذين أدمنوا السيطرة علي تلك النقابات الحكومية لن يغفروا للوزير انه اطلق حريتها وسوف يرفعون في وجهه شعارا فاسدا عنوانه »تفتيت الطبقة العمالة« كأنما الطبقة العاملة المصرية لم تفتت! ولم تذهب ريحها بفضل أولئلك الاباطرة!