أشعل قرار الرئيس الأمريكي ترامپ بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فتيل صراع ملتهب في المنطقة منذ مائة عام حين أصدر الانتداب البريطاني وعد بلفور 1917 الذي منح اليهود حق إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. منذ ذلك الوقت يدور أطول صراع سياسي - ديني شهدته البشرية، تحتل مدينة القدس موضع القلب منه. خلال تاريخها الطويل الذي يرجع إلي الألفية الرابعة قبل الميلاد، تعرضت القدس للتدمير مرتين، وحوصرت 23 مرة، وهوجمت 52 مرة، وتمّ غزوها وفقدانها مجددًا 44 مرة الأمر الذي يجعل من القدس إحدي أقدم المدن المأهولة في العالم. لجنتان إقليميتان معنيتان بشؤون القدس مكلفتان بحمايتها والدفاع عنها هما لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي _المؤتمر الإسلامي سابقا- التي تأسست عام 1975، واللجنة الملكية الأردنية لشؤون القدس، أضف اليهما تسعة قرارات دولية أممية تحدد جميعها وضع القدس وتقرر غل يد العدوان الصهيوني عليها وتنكر أي حق تاريخي مزعوم لليهود وحدهم فيها، بخلاف الآلاف من بيانات الشجب والإدانة العربية والإسلامية للإجراءات التي تتخذها إسرائيل علي الأرض من تهويد للقدس والسعي لخلخلة تركيبتها السكانية والاستيلاء علي المسجد الأقصي اولي القبلتين وثالث الحرمين بالنسبة للمسلمين، وحاضنة المئات من المقدسات الدينية التابعة للديانات الإبراهيمية الثلاث. مع كل ذلك يزداد الوضع سوءا يوماً بعد يوم. يعتبرها اليهود عاصمتهم الدينية والوطنية لاكثر من 3000 سنة. أما الأممالمتحدة والمجتمع الدولي، فلا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويعتبر القدسالشرقية جزءاً من الأراضي الفلسطينية، ولا يعترف بضمها للدولة العبرية، القدس عاصمة لفلسطين منذ أن سقطت القدس عام 1917 في يد الجيش البريطاني بقيادة الفريق ادموند اللنبي، ومنحت بعدها عصبة الأممبريطانيا حق الانتداب علي فلسطين 1922أصبحت القدس عاصمة فلسطين تحت الانتداب. وقد لوحظ بعد ابرام وعد بلفور 1917 بين بريطانيا وممثل الحركة الصهيونية تيودور هرتزل زيادة عدد المهاجرين اليهود إلي فلسطين عموما والقدس خصوصا، كما لوحظ شراء المهاجرين اليهود الجدد للأراضي الفلسطينية بمساعدة البريطانيين. مما أثار استياء المقدسيين وأشعل ما عرف وقتها بثورة البراق 1922. رداً علي ذلك قام البريطانيون بمساعدة اليهود في الاستقرار بالمدينة عن طريق بنائهم لأحياء سكنيّة كاملة في شمال وغرب المدينة. بعد الحرب العالمية الثانية وقعت ثاني نقطة فاصلة في تاريخ القضية حين اصدرت الأممالمتحدة قرارها في 29 نوفمبر1947 بتدويل القدس وخضوعها لرعايتها وإشرافها. قبل 8 ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني، وفي 14 مايو 1948أُعلن رسميا عن قيام دولة إسرائيل دون أن تُعلن حدودها بالضبط، وخاضت خمس دول عربية بالإضافة إلي السكان العرب الحرب مع الدولة المنشأة حديثا وكانت محصّلة الحرب أن توسعت إسرائيل علي 75% تقريبا من أراضي الانتداب سابقا. كذلك نتج عن حرب 1948 أن قُسمت القدس إلي شطرين: الجزء الغربي الخاضع لإسرائيل، والجزء الشرقي الخاضع للأردن وفي شهر نوڤمبر من نفس السنة، أقيمت منطقة عازلة بين الجزءين، حيث قابل قائد القوّات الإسرائيلية في القدس، موشيه دايان، نظيره الأردني عبد الله التل في أحد منازل حيّ مصرارة بالقدس، وقاما بتعليم الحدود الفاصلة بين شطريّ المدينة، حيث لوّنت حصة إسرائيل باللون الأحمر وحصة الأردن باللون الأخضر. حدود غير رسمية نجم عن هذا اللقاء رسم خريطة لحدود غير رسميّة بين الطرفين المتحاربين، لكنها أخذت بعين الاعتبار عند توقيع اتفاقية الهدنة عام 1949بين إسرائيل وكل من لبنان ومصر والأردن وسوريا، والتي اتفقت فيها تلك الدول علي وقف إطلاق النار. والتزم الإسرائيليون بالبقاء ضمن هذه الحدود لحين إيجاد حل سلمي للنزاع. كذلك نصّت هذه الاتفاقية علي تقسيم القدس علي أن يبقي جبل المشارف في يد إسرائيل علي الرغم من أنه يقع في القسم الشرقي، بوصفه جيبا داخليا. بناءً علي هذا أقيمت الحواجز الاسمنتيّة والأسلاك الشائكة في وسط المدينة ومرّت بالقرب من باب الخليل في الجانب الغربي من البلدة القديمة، أنشئت نقطة عبور شمال الأخيرة عُرفت بمعبر مندلباوم. كان ديڤيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل، قد أعلن في 3 ديسمبر 1948 أن القدسالغربية عاصمة للدولة الإسرائيلية الوليدة، وفي سنة 1950 أعلن الأردن رسميًا خضوع القدسالشرقية للسيادة الأردنية عقدت أول جلسة للمجلس الوطني الفلسطينيبالقدسالشرقية للمجلس التشريعي الفلسطيني في 29 مايوعام1964. وخلال هذا الاجتماع تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية. في 1967 وقعت نقطة فاصلة أخري مهمة فبعد النكسة احتلت اسرائيل القدسالشرقية التي كانت تتبع الأردن، وألحقتها بإسرائيل واعتبرتها جزءاً لا يتجزأ منها، إلا أن المجتمع الدولي بأغلبيته، لم يعترف بهذا الضم، وما زال ينظر إلي القدسالشرقية علي أنها منطقة متنازع عليها ويدعو بين الحين والآخر إلي حل هذه القضية عن طريق إجراء مفاوضات سلميّة. لذا فإن معظم السفارات والقنصليات الأجنبية تقع في مدينة تل أبيب وضواحيها.بينما تقع معظم الإدارات الحكومية الإسرائيلية في القدسالغربية وتشمل مقر البرلمان ومقري رئيس الوزراء ورئيس الدولة فضلاً عن مقر المحكمة العليا. في 1980 أقر البرلمان الإسرائيلي ما سمي وقتها ب »قانون القدس» ويعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وظل المجتمع الدولي علي موقفه الرافض لاحتلال اسرائيل للمدينة المقدسة وغير معترف بضمها إليها.