بعد مرور 100 عام علي وعد وزير الخارجية البريطاني اللورد أرثر بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 بموافقة حكومة جلالة ملكة بريطانيا التي تنظر بعين العطف لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، تعود القضية الفلسطينية لتتصدر المشهد العربي والعالمي. مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ليسير علي نفس نهج بلفور ويعطي هو الآخر ما لا يملك لمن لا يستحق. المشهد بين الحدثين لم يتغير، فمثلما وقع بلفور علي رسالته الشهيرة ب»وعد بلفور» لتكون البداية التي انتهت إلي إعلان دولة إسرائيل عام 1948، ظهر ترامب علي الشاشات وهو يحمل القرار وعليه توقيعه بنقل سفارة بلاده للقدس ليبدأ فصل جديد من فصول الصراع العربي الإسرائيلي. وما بين الوعد البريطاني والقرار الأمريكي مرت القدس بمراحل فاصلة في تاريخها تغيرت فيها طبيعة المدينة وتركيبتها الديمجرافية من خلال عمليات التهويد المحمومة التي نفذتها حكومة الاحتلال لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين وزيادة نسبة اليهود لتصبح 70 % مقابل 30 % للفلسطينيين. كان وعد بلفور بمثابة الإعلان الرسمي للتشجيع علي الهجرة اليهودية لفلسطين حيث كان يمثل اليهود فيها آنذاك 5 % فقط من تعداد السكان ومع استمرار توافد اليهود زادت المواجهات بينهم وبين العرب أصحاب الأرض واندلعت أعمال عنف عام 1947 سقط فيها العديد من القتلي من الطرفين. وفي شهر نوفمبر من العام ذاته صدر قرار تقسيم فلسطين عن الأممالمتحدة مع منح وضع خاص لمدينة القدس (عاصمة فلسطين تحت الانتداب البريطاني)، تحت سلطة الأممالمتحدة. ومع انسحاب القوات البريطانية من فلسطين في 14 مايو 1948 انتهي الانتداب وتم الإعلان عن إسرائيل. بعد إعلان قيام إسرائيل احتلت خلال حرب فلسطينالقدسالغربية بينما سيطرت القوات الأردنية علي البلدة القديمة ومعظم الأجزاء الشرقية من القدس وبات تقسيم المدينة بين اليهود وبقية السكان أمرا واقعا. وفي ديسمبر 1949 أعلنت إسرائيل أن القدس عاصمة لدولة إسرائيل دون أن يعترف المجتمع الدولي بالقرار الإسرائيلي. خلال حرب يونيو 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية والبلدة القديمة وأقامت إدارة بلدية لإدارة مدينة القدس كلها واعتبرتها جزءا من الأراضي الخاضعة للسيادة الإسرائيلية. ورفضت إسرائيل قرارات الأممالمتحدة التي نددت بما يحدث في القدس، ووقف المجتمع الدولي إلي جانب العرب والفلسطينيين باعتبار القدسالشرقية أراضي محتلة. في عام 1980 أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارا أكد علي بقاء القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل وهو ما أثار ضجة كبيرة علي المستوي العالمي حيث ظل مصير ووضع المدينة موضع خلاف شديد بين الطرفين. وسارعت إسرائيل من وتيرة عمليات البناء وإجراءات تهويد المدينة مما أدي إلي توتر الأوضاع في أحياء القدس بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي حتي جاءت اتفاقية أوسلو 1993 لتحدث نقلة سياسية كبيرة حيث اتفق الطرفان علي تحديد مصير القدس علي طاولة مفاوضات الوضع النهائي. لم تتوقف الولاياتالمتحدة عن دعمها لتل أبيب وسارعت بالاعتراف بإسرائيل عقب احتلالها فلسطين، لكنها لم تعترف بالقدس عاصمة لها. كما استخدمت الولاياتالمتحدة مرات عديدة حق النقض (الفيتو) بالأممالمتحدة ضد قرارات تشجب وتدين الإجراءات الإسرائيلية في المدينة. في 23 أكتوبر عام 1995 أصدر الكونجرس الأمريكي قانوناً عُرف باسم »قانون سفارة القدس لسنة 1995»، والذي ينص علي الشروع بتمويل عملية نقل السفارة الأمريكية من »تل أبيب» إلي القدس، علي أن يتم ذلك في حدّ أقصي 31 مايو 1999. وفي أعقاب ذلك أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ثم خلفاؤه قراراً رئاسياً لوقف تنفيذ القانون كل 6 أشهر، ما سمح لهم بإبقاء السفارة الأمريكية في »تل أبيب» حث بدا ذلك لمصلحة الأمن القومي في الولاياتالمتحدة. كان الرؤساء السابقون لترامب يعلمون جيدا التداعيات السلبية لقرار نقل السفارة للقدس علي سير عملية السلام والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وتحدث بيل كلينتون وجورج بوش وبوش الابن وباراك أوباما عن إمكانية تطبيق نقل السفارة ولكن مع نصائح مستشاريهم بخطورة الخطوة تراجعوا عن فعل ذلك. ولكن بعد أكثر من 20 عاما، فعلها ترامب الذي أوفي بوعده الانتخابي الذي قطعه علي نفسه لإرضاء ناخبيه من اليهود واليمينيين المتصهينين.