يقولون في الأثر إن لكل من اسمه نصيباً.. هذه المقولة انطبقت بحذافيرها علي فتاة تدعي إيمان أسامة.. فهي اسم علي مسمي.. تلك الفتاة الليبية البسيطة جاءت إلي مصر عام 2012 طلبا للعلم، لم تكن تعلم أن رحلتها لطلب العلم ستشهد تحولا دراميا لا يقوي علي تحمله إلا ذوو العزم. تقول إيمان إنها جاءت لتكمل دراستها في مجال الإشعاع الطبي المستخدم في علاج الأورام السرطانية، غادرت ليبيا في خضم الحرب التي أتت علي الأخضر واليابس إلا أن أسرتها لم تتمكن من اللحاق بها فكتبت لها الأقدار أن تعيش وحيدة إلا من بعض الأقرباء والمعارف الذين فروا من جحيم الحرب في ليبيا إلي بلدهم الثاني مصر. لم تكن حياة الوحدة هي التحول الدرامي الوحيد في حياة إيمان بل كانت أول فصل في مسلسل عنوانه الأمل في مقاومة الألم.. ولأن إيمان تدرس الأورام وعلي دراية بها بدأت ترصد عوارض وظواهر للمرض الخبيث تظهر في جسدها.. ذهبت إلي أكثر من طبيب وأكدوا لها بعد الفحص أنها معافاة من المرض الا انها تشعر في قرارة نفسها أنها علي شفير حرب وشيكة من المرض. وبعد وقت ليس بالكثير اكتشفت إيمان أنها مريضة سرطان.. ليس ذلك فحسب بل إنها في مرحلته الثالثة والتي تعد الأخطر وفقا لتصنيف الأطباء.. صدمة يشيب لها الولدان وتنهار أمامها عزائم الرجال، لا يقوي علي تحملها أحد إلا من رحم ربي، فما بالك بفتاة في مقتبل العمر.. وحيدة بلا أب يربت علي كتفها.. ولا أم تحتضنها وتشد من أزرها.. تلك إذن محنة تعجز عن وصفها قواميس اللغة وتراكيب الكلمات. ولأن إيمان تحظي بنصيب وفير من اسمها تقبلت الخبر بصدر رحب وقررت البدء في رحلة العلاج، تقول إنها أصيبت بورم في التجويف الصدري والثدي والغدد الليمفاوية وأخبرها جهابذة الأطباء أنه لا محيص من استئصال الثدي المصاب إلا أنها أبت وفضلت متابعة جلسات الكيماوي. في ثنايا قصة إيمان عقد درامية أخري فهي تدرس وتعمل في نفس الوقت لتوفر تكاليف المعيشة فكيف لها أن توفر من راتبها البسيط جانبا للإنفاق علي مصاريف العلاج.. توجهت إلي مستشفي شهير بالقاهرة ولأن الخير في أمة محمد إلي أن تقوم الساعة كما أخبرنا الرسول الكريم، وجدت من يتكفلون بعلاجها من أموال التبرعات.. هي لا تعلم من انفقوا علي علاجها ولكنها تدعو لهم بظهر الغيب. بدأت إيمان في تطبيق ما درسته في مجال الأورام علي حالتها المتأخرة، حددت لنفسها نظاما غذائيا لا تحيد عنه وبرنامجا رياضيا لا تخل به لرفع مناعة جسدها المريض، وكانت رحمة الله أوسع فبعد أن قطعت شوطاً من العلاج وفي تحول مفاجئ لحالتها كشفت الفحوصات أنها شفيت تماما من المرض خلال عام.. إيمان لم تستسلم لليأس والإحباط، لم تنزو في حجرتها متلحفة بأغطية سرير الوحدة لتعوض دفء حضن الأم وحنان الأب، بل واجهت المرض بالعلم والإيمان.. انتصرت إيمان علي الورم الخبيث و لكن لأنه خبيث عاود من جديد مهاجمتها ولكن المنتصر في الجولة الأولي لم يستسلم لهجمة مرتدة من عدو تغلب عليه في أوج قوته وعنفوان ثورته. تقول إيمان إن المرض عاد من جديد ليضرب حصون غددها الليمفاوية إلا أنها أوشكت علي هزيمته للمرة الثانية، ولأنها متسلحة بالإيمان وتعلم عاقبة كتمان العلم، قررت أن تفيض بعلمها المعزز بتجربة فريدة علي كل من أصابه المرض، أطلقت علي صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي »فيس بوك» مبادرة لمساندة مرضي السرطان عنوانها »مبادرة إيمان لدعم مرضي السرطان».. ومن خلال مبادرتها تقدم نصائح يومية لمصابي السرطان.. كيف يتقبلون المرض وكيف يهيئون أجسادهم لمقاومته وكيف يمكنهم في النهايه دحره ليذهب بلا عودة. قصة إيمان الدرامية باتت علي موعد مع نهاية سعيدة، لتصبح قصة ملهمة لضعاف النفوس.. بطلتها قدوة في الإيمان.. رمز للتحدي وأيقونة للانتصار علي مرض أقل ما يوصف به أنه خبيث.