عندما تصبح محاطا بأربعة جدران وباب، تختلف مشاعرك وأحاسيسك تجاه كل شيء، الجدران.. الستائر.. الأدراج.. السجادة وخيوطها.. واحد وعشرون يوما فوق الفراش.. أسبوع بأمر العمود الفقري، وأسبوعان بأمر الطبيب.. الحركة محدودة.. والممنوعات كثيرة.. ممنوع الوقوف أكثر من عشر دقائق.. ممنوع الجلوس أكثر من ربع ساعة.. ممنوع النوم علي الظهر أكثر من نصف ساعة.. ممنوع التوتر العصبي. سلسلة ممنوعات، كلها صعبة، فاذا فكرت في أي شيء لابد أن تعمل له ألف حساب.. ما علينا.. ما هي المسموحات؟ الاجابة صعبة ايضا، ممكن مشاهدة التليفزيون.. إنها مصيبة.. هل سأجلس أنا وهو كل هذا الوقت بمفردنا داخل الجدران الأربعة؟ ألن أستطيع الهروب لأكثر من نصف ساعة؟ علي العموم التليفزيون أرحم من آلام العمود الفقري التي لا تتوقف. في يوم من هذه الأيام الصعبة انقطعت علاقتي بالعالم الخارجي »أي خارج الحجرة«.. أمطار ورعد في عز الحر والصهد، أثرت علي »الدش« فأغلقت القنوات الفضائية المصرية والعربية إرسالها في وجهي.. وعرفت قيمة التليفزيون الذي كان يربطني بالأحداث، ويخرجني من حجرتي لساعات، أتجول خلالها في كل مكان وأنسي الحجرة والفراش. بعد يومين.. رفعت سماعة التليفون الأرضي.. فأنا لا أحب الحديث كثيرا في هذا المحمول الذي اضطررنا لاستخدامه.. التليفون لا حس ولا خبر.. ورغم أنفي أمسكت المحمول لأسأل.. جاءتني الكارثة الثانية.. كابل التليفونات الأرضية الخاصة بالمنطقة السكنية كلها اتسرق.. كده في عز النهار.. سألت بسذاجة.. ومتي يتم تركيب كابل غيره وتعود الحرارة؟ قال المتحدث إحنا بعد الثورة وحاجات كثيرة معطلة.. ولا أعتقد أن يتم ذلك قبل شهرين أو ثلاثة.. وأسقط في يدي. انقطع اتصالي بأهلي وبالدكتور وبالصيدلية وبالعمل، إلا عن طريق المحمول.. هذا الصغير المزعج في كل مكان وفي أي وقت. ارتبطت كارثة سرقة كابل التليفونات الأرضية وانقطاع الحرارة بانقطاع الانترنت، ويالها من أزمة معلوماتية. لم أشعر أبدا بقيمة هذه الأشياء التي كثيرا ما كانت مصدر إزعاج إلا بعد أن فقدتها تماما.. وأصبحت حبيسة الحجرة، وليس أمامي سوي السقف وقطع الموبيليا وخيوط السجادة. لم أهتم بانقطاع المياه ساعة أو اثنتين لأيام معدودة. فالأهم عندي حاليا هي الكهرباء.. ربنا يستر.. عندنا ثانوية عامة. لم ينقذني من هذا الكابوس الذي عشته في هذه الأيام الصعبة سوي الكتاب.. فكان لي خير جليس.. وبالطبع أفضل مائة مرة من الدش والتليفون الأرضي والإنترنت. أما لصوص ما بعد الثورة فقد أصبحت لديهم جرأة السرقة وقطع الشارع وسرقة كابل كامل علي مسمع ومرأي من المواطنين ولا أحد يتكلم.. فالسلاح هو المتحدث في مثل هذه الحالات.