نعم كان هناك فساد وكان هناك ظلم وعدم مبالاة بمصالح الغالبية وإنكار لما قد يحقق المصلحة العامة.. لا جدال ان بعض السياسات في السنوات الأخيرة كانت مسخرة لصالح فئة قليلة متعطشة إلي الهيمنة علي مقدرات الدولة. في سبيل خدمة هذا الهدف ولضمان استمرار هذا الوضع ووجهت كل الجهود والاجتهادات من أجل تكريس العداء للحرية والديمقراطية للحفاظ علي مصالح هذه الجماعة من المستفيدين والمنتفعين الذين عملوا علي محاصرة النظام الحاكم وعزله عن الشعب. لقد استطاعوا ان يجنحوا بالحكم إلي غير الصالح العام. عملوا علي حجب واخفاء الحقائق بما في ذلك اللجوء إلي تزييف وتزوير إرادة الشعب. حدث كل هذا بشكل واضح وفاضح في السنوات العشر الأخيرة وتحديدا ما بعد عام 0002. لقد اتسمت هذه المرحلة بافراز شخصيات مثيرة للجدل ظهرت فجأة علي السطح لممارسة التسلط علي العمل السياسي والتنفيذي. كل الشواهد والدلائل تشير إلي ان هذه المرحلة ارتبطت ببزوغ نجم جمال مبارك علي الساحة السياسية من خلال دعم ومساندة هذا النفر من المنافقين الانتهازيين. وعلي قدر معلوماتي فإن الوالد.. الرئيس السابق المخلوع حسني مبارك كان يقاوم في البداية هذا التوجه إلي ان استسلم للضغوط بعد عام 2002. منذ ذلك الوقت بدأ التحرك لتمهيد الطريق نحو سيناريو التوريث واعداد المسرح ليتولي جمال مبارك منصب الرئاسة بإشراف وتشجيع مجموعة محدودة من المقربين أغلبهم من الحاشية ورجال الأعمال.. ولا جدال ان التهاون والتفريط في المسئولية والسلطة قد سمح لهذا الوريث ان يُسّيّر الجانب الأكبر من أعمال وأمور الدولة في كافة المجالات. وبعد ان تملك جمال مبارك زمام الأمور والسيطرة علي الحكومة والحزب يمكن القول ان الأوضاع قد اخذت منحي الانحدار في اتجاه الهاوية. تجسد ذلك في توالي السقطات والاخطاء وارتفاع الأصوات المعارضة للنظام بشكل ظاهر. ادي ذلك الي المساس بهيبة النظام الحاكم وهو ما ترتب عليه تصاعد الممارسات البوليسية والاجرائية التي كانت سائدة. زاد الطين بلة انتشار الغضب الشعبي نتيجة زيادة الضغوط المعيشية علي الغالبية وارتفاع نبرات التحدي في الرأي العام الرافض لسلوكيات وممارسات شخصيات محسوبة علي جمال مبارك. قد تعاظمت الشكوك حول مخطط التوريث بعد التعديلات الدستورية للمادتين 67 و77 وكذلك بعدما أحيط بعملية تزوير انتخابات مجلس الشعب والتي تولاها بإصرار فاضح صديقه أمبراطور الحديد أحمد عز أمين التنظيم في الحزب والمستفيد رقم واحد من هذه الصداقة. في هذا الاطار يبدو ان الفُجر الذي تولد عن نهم السلطة والنفوذ قد أعمي بصيرة جماعة المنتفعين والمطبلين لعملية توريث جمال مبارك إلي درجة فقدان التقدير لحجم الجرم الذي تم ارتكابه. لقد وصلت الصفاقة والغرور إلي درجة وقوف الامبرارطور إياه في أحد اجتماعات الحزب السرية بعد اعلان نتيجة الانتخابات وما صاحبها من تحذيرات واحتجاجات ليعلن افتخاره بالانجاز الذي حققه في عملية التزوير ونجاحه في اسقاط جميع مرشحي المعارضة. ورغم ان ما حدث لا يعفي الرئيس السابق حسني مبارك من المسئولية إلا أن تطورات الأحداث تشير إلي أن »السكينة كانت سرقاه« كما يقولون. وأنه وقع في فخ الخداع والتضليل من جانب البطانة غير الامنية والساعية الي حماية مصالحها مدعومة بلعنة تطلع الابن إلي منصب الرئاسة. هنا لابد من التأكيد ان قرار التنحي من جانب الرئيس السابق قد جاء بمثابة انقاذ للوطن من حمامات الدماء التي تشهدها الدول المجاورة. ومع التسليم بأن الحساب واجب علي أي أخطاء وفقا للعدالة والقانون إلا أن ما يجب قوله وما يثير الحزن والألم والاحباط من ان يسود سلوك لا يليق بطبيعة وأخلاقيات الشعب المصري وحضارته. من المؤكد ان القيم المصرية- رغم كل الظلم والتجاوزات التي تعرض لها هذا الشعب- لا يمكن ان تسمح بالتنكر لكل ما تحقق من نجاحات وانجازات ملموسة وكثيرة علي أرض الواقع علي مدي سنوات ما قبل عملية الانحراف عن الطريق السليم للحكم. ليس هناك ما يقال سوي »لا حول ولا قوة إلا بالله«.