لم ينسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، ولكنه مهد الطريق أمام إلغاء هذا الاتفاق، الذي وصفه بأنه يحتوي علي ثغرات ونقاط ضعف متعددة. وقال ترامب »إذالم نتمكن من إيجاد حل عن طريق الكونجرس ومن خلال حلفائنا.. فإن الاتفاق سينتهي، وقد ننسحب منه بالكامل في خاتمة المطاف»، وخاصة أن طهران »لم تلتزم بكل بنود الاتفاق». وجاءت هذه الضربة للاتفاق في وقت فتح فيه ترامب عدة معارك علي أكثر من جبهة: مع كوريا الشماليةوكوبا وفنزويلا وسوريا.. وإيران.. والاتحاد الأوروبي (بعد انسحابه من اتفاقية المناخ). والغريب أن مجلة »بوليتيكو» الأمريكية تؤكد أن وزيري الخارجية ريكس تيلرسون والدفاع جيمس ماتيس كانا قد أقنعا رئيسهما ترامب في يوليو الماضي بضرورة التقيد بالاتفاق مع إيران نظراً لعدم توافر أية مبررات، لدي الجانب الأمريكي للتراجع عن هذا الاتفاق. والتفسير الذي تقدمه المجلة لموقف ترامب هو أن »نيكي هيلي» المندوبة الأمريكية الدائمة في الأممالمتحدة التي تحولت إلي مستشار سري للرئيس الأمريكي هي التي تولت إقناع ترامب بنقض الاتفاق بينما لايزال عدد من المسئولين في الإدارة الأمريكية يطالبون بالتروي في الانسحاب من هذا الاتفاق واتخاذ موقف حذر إزاء الموضوع برمته. الأكثر غرابة أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت في ثمانية تقارير متتالية خلال العامين الماضيين أن إيران تلتزم بشروط الاتفاق. ويقول مراقبون محايدون أن عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة لمنشآت إيران النووية من أكثر العمليات دقة واتساعاً في العالم. ويقول معلق أمريكي أن ترامب قرر علي هذا النحو أن يقف ضد الإدارة الأمريكية السابقة »صاحبة هذا الاتفاق والتي بدأت التطبيع مع كوبا» وضد العديد من كبار مستشاريه وضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وضد الدول الخمس الأخري الموقعة علي الاتفاق النووي وضد غالبية دول العالم. ويقول معلق أمريكي آخر: »كما لو كان ترامب يقول إنه ليس مهما، أيها الإيرانيون، أن تكونوا قد التزمتم بالاتفاق حرفيا، ذلك أننا مازلنا مصرين علي التراجع عن التزاماتنا، لأننا بأمانة لا نحبكم. وبالمناسبة لن تستطيعوا مستقبلا الاعتماد علي أن الولاياتالمتحدة ستحافظ علي التزاماتها». وبصدور البيان المشترك الفرنسي الألماني البريطاني، الذي يعلن »التمسك الحازم» بالاتفاق الايراني.. وتصريح وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي »فيديريكا موجيريني»، الذي يؤكد أنه لا سلطة لترامب لكي يضع حدا لهذا الاتفاق في أي وقت، وأن الاتفاق يجري تطبيقه ويؤتي ثماره، كما أن الاتفاق ليس اتفاقا ثنائيا بل هو قرار إجماعي لمجلس الأمن، ولا يستطيع أي بلد في العالم أن يلغيه بمفرده.. بعد ذلك كله يصبح ترامب في عزلة عن حلفائه. ومن هنا يري المؤيدون الأمريكيون للاتفاق أن موقف ترامب يدمر المصداقية الأمريكية في أية مفاوضات دولية في المستقبل. أما وزارة الخارجية الروسية فإنها تؤكد أن قرار ترامب ليس له تأثير مباشر علي تنفيذ الاتفاق، وتستنكر رطانة التهديد العدوانية في الدبلوماسية الدولية. وإذا كان ترامب قد اتهم إيران برعاية الإرهاب في الشرق الأوسط، فإن الكاتب الأمريكي ديفيد ستوكمان يشير إلي دور إيران واتباعها في إلحاق الهزيمة بداعش في الموصل وحلب ودير الزور ومواقع أخري في سوريا والعراق. وكان من الطبيعي أن يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أول المهنئين لترامب علي »قراره الشجاع بشأن الاتفاق النووي مع إيران». أما الإنجاز الوحيد الذي حققه الرئيس الأمريكي فهو توحيد صفوف جميع الايرانيين من إصلاحيين ومتشددين ومدنيين وعسكريين واتخاذهم موقفاً موحداً سواء فيما يتعلق بمواجهة خطوات ترامب العدائية أو قدرات إيران الدفاعية.