تميزت اللهجة المصرية بقدرتها العالية علي استيعاب كل اللغات التي تعامل معها المصريون علي مدي تاريخهم لكن بأسلوب خاص للغاية إذ أن المصريين تعودوا علي هضم الكلمة الأجنبية ثم اخراجها مجددا بطعم ومذاق وايقاع مصري لكنهم لم يسمحوا أبدا للغة ما بأن تسيطر عليهم مثلما حدث مثلا بالنسبة الي شعوب المغرب العربي الذين صارت اللغة الفرنسية جزءا من لسانهم. فالمصريون نحتوا تعبيرات مثل "معلهش " و"مفيش " بعد الفتح الاسلامي لمصر بدلا من استخدام تعبيرات باللغة العربية مثل "ما عليه شيء" أو "ما فيه شيء" وهكذا. ومن اللغة الفرنسية استخدم المصريون كلمات نطقوها بطريقتهم الخاصة مثل كوافير وصالون وانتريه وفيتيس في السيارة ومعناها بالفرنسية السرعة فاستخدمها المصريون لوصف الجزء المسؤول عن تغيير السرعة وديراكسيون ومعناها الاتجاه وغيرها كثير جدا.. وكلمة "طظ " بالتركية التي تعني الملح استخدمها المصريون للتعبير عن الشيء التافه الذي لا قيمة له. ويكثر المصريون من استخدام اللاحقة " جي " في اللغة التركية ومعناها صاحب الحرفة أو صانع الشيء. فنحن نقول مثلا مكوجي أي صاحب المكواة أي الذي يمتهن التعامل مع المكواة ونقول "بلطجي" أي حامل البلطة أو صاحبها الذي يمتهن العنف وعلي وزنها أجزجي وبوهيجي وجزمجي وقهوجي وهكذا. ومن هنا فان تعبير ثورجي في اللهجة المصرية يختلف عن تعبير ثوري في اللغة العربية. فالتعبير في اللغة العربية يعني المرتبط أخلاقيا ومنهجيا وفكريا بالثورة أما ثورجي فتعني ذلك الذي اتخذ من مظاهر الثورة حرفة له أو مهنة يمتهنها. والحقيقة أن مشكلة مصر في الفترة الأخيرة يمكن أن نلخصها ببساطة في أن الثوار والثوريين بدأوا يختفون وبدأ الثورجية يملأون الأرجاء . وأعتقد أننا في حاجة الي الثوار والثوريين لأنهم مطلوبون للتدليل علي استمرار روح الثورة الداعية الي التغيير الشامل للنظام السياسي بكل مكوناته وكل آلياته لكنني لا أعتقد أننا في حاجة الي الثورجية الذين جعلوا التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات مهنة لهم لا يقومون بغيرها الي درجة أنها صارت مهنة يرتزقون منها. ان مصر اليوم تعيش لحظة فارقة في تاريخها الحديث ولهذا فإنها في حاجة شديدة الي منح العقل والعقلاء فرصة للعمل من أجل التفكير بهدوء وروية في المستقبل وتحديد الأولويات. وحتي يصبح ذلك ممكنا فاننا لابد أن نحدد الأهداف المطلوبة علي المدي القصير والمتوسط والبعيد بناء علي تحديد الامكانات المتوافرة ماديا وبشريا ثم نحدد سبل تحقيق الأهداف من خلال اختيار الوسائل اي الأشخاص والآليات القادرة علي تحقيق الأهداف ومنح هؤلاء الصلاحيات المرتبطة بالمسؤوليات ثم وضع الآليات الخاصة بالمتابعة والمراقبة للنتائج حتي يمكن التدخل في الوقت المناسب. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف المصيرية ينبغي أن تتكاتف الجهود من جانب كل من يملك القدرة والخبرة وان يختفي من المشهد هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب التوكيل الحصري للحقيقة والمعرفة. لا يعجبني: رغم مرور نحو أربعة أشهر علي ثورة 25 يناير العظيمة التي هي ثورة شعب مصر كله لم ينجح الشباب الذي أشعل فتيل الثورة في تحديد جهة ما أو هيئة محددة تتحدث باسمهم حتي إن السفير محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث السابق باسم الأزهر الشريف والذي كان من رموز شباب الثورة منذ انطلاقتها عندما ضحي بمنصبه وفضل الانخراط في صفوف الثوار قال - مستنكرا - خلال لقاء مفتوح بمركز الحرية بالاسكندرية:" هناك حاليا ما يزيد علي 100 ائتلاف يدعون أنهم من شباب الثورة بعدما أصبحوا من مدمني حب الظهور اضافة الي وجود عدد من الجماعات التي تهدف الي اقامة سلطة مستقلة ويدعون هم ايضا أنهم يمثلون الشعب المصري ". ان أحدا لا يمكنه أن يمن علي الشعب المصري بهذه الثورة التي أؤكد أن الشعب المصري كله شارك فيها بشكل أو بآخر وليس أدل علي ذلك من أن الذين خرجوا الي ميادين وشوارع مصر يومي 10 و11 فبراير زاد علي عشرين مليونا بتقديرات المجلس الأعلي للقوات المسلحة فاذا ما قلنا ان كلا من هؤلاء كان يمثل ثلاثة من الراشدين علي الأقل فاننا سنتفق علي ان 60 مليون مصري - باستبعاد الأطفال - شاركوا في الثورة. أعجبني: الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في شهادته أمام جهاز الكسب غير المشروع عندما نفي وجود أية وثائق لديه حول ثروة الرئيس السابق وأسرته وتأكيده أن التحقق من مثل هذه الأمور هي مهمة سلطات التحقيق وان لم يعجبني بصراحة أنه ألقي بالمسؤولية علي رئيس مجلس ادارة الأهرام لبيب السباعي في اختياره لعنوان رئيسي للصحيفة تضمن معني غير الذي ورد في السياق. فما أعرفه أن الأستاذ هيكل لابد سيكون قرأ الطبعة الأولي من صحيفة "الأهرام" التي نشرت الحوار وكان بإمكانه ببساطة شديدة أن يلفت نظر السباعي أو رئيس التحرير عبدالعظيم حماد الي هذا الخطأ لتصحيحه علي وجه السرعة في الطبعات التالية. ولو لم يكن الأستاذ هيكل قد قرأ الطبعة الأولي فقد كان الواجب يقتضي بأن يبادر"الأستاذ" في صبيحة اليوم التالي لارسال تصحيح يحمل وجهة نظره الي المسؤولين بالصحيفة الذين لا أعتقد أنهم كانوا يمكن أن يتأخروا مطلقا عن نشر هذا التصحيح خصوصا والأستاذ كان علي اتصال دائم للاطمئنان علي أرقام التوزيع علي حد تأكيد لبيب السباعي نفسه الذي قاد الاحتفالية غير المسبوقة بعودة "الأستاذ" الي قلعته بعد غياب. ملحوظة بسيطة: لابد منها تتعلق بأن "الأهرام " الغراء لم تعلق من قريب او بعيد علي التهمة التي وجهها اليها الأستاذ هيكل لنشر عنوان رئيسي مخالف للسياق. كذلك لم تعلق "الأهرام " الغراء علي النفي الذي تلقته لخبرها المنشور علي الصفحة الثالثة بتاريخ الأربعاء 25 مايو بعنوان " حسن هيكل شريك لجمال مبارك ومجدي راسخ ". وهو خبر ذكرت "الأهرام" الغراء أنه منقول عن افصاحات شركات المجموعة المالية هيرميس. فقد جاء النفي المنشور في اليوم التالي بمثابة تكذيب غير مسبوق "الأهرام " في خبر شديد الأهمية. أعتقد أن الموضوع في حاجة الي ايضاح أكبر. لا يعجبني: البرامج الحوارية الليلية المتعددة في المحطات التلفزيونية القديمة "الراسخة " أوالجديدة أو المتجددة أصبحت أشبه ما تكون ببعضها البعض. وان كان فضل الريادة في هذه البرامج يعود الي " القاهرة اليوم " والمتألق عمرو أديب فان فضل التميز والعمق والتركيز علي البعد البصري يعود الي قناة " دريم " والمتألقة ببساطتها وثقافتها مني الشاذلي. اما الباقون فقد استسهلوا النقل والنسخ واصبح الحوار في داخل الاستديو والمداخلات التليفونية هو الأساس الي درجة أنه يمكن ببساطة الاستغناء عن الصورة والاكتفاء بالصوت وهو ما يجعلنا أمام برنامج اذاعي. ونحن في انتظار آخر العنقود "بتوقيت القاهرة " للاعلامي حافظ الميرازي لنعرف الي أي الفريقين سيضع قدمه. ويبقي سؤال بسيط: لماذا ضحي التلفزيون المصري بكل هذه السهولة ببرنامج "مصر النهاردة " الذي كان ماركة مسجلة لتلفزيون بلدنا؟!. اللهم احفظ مصر وطنا للعدل والحرية والأمن والأمان.