يمكن بحال القبول بأن يتحول الإستثناء إلي قاعدة، فقد نتفهم أن تعقب انتفاضة الشباب وثورة الشعب مرحلة من الفوضي، شريطة أن تكون مؤقتة ننتقل منها فوراً إلي بناء الدولة علي أسس مدنية حقيقية، تؤكد علي سيادة القانون والعدالة والمساواة. ولعلنا نتفق علي أن المرحلة الإنتقالية في الحالة المصرية تعد من أخطر المراحل فإما أن تنقلنا إلي تحقق مطالب الثورة وتؤكد نجاحها وإما أن تنتكس بها فنعود إلي ما هو أسوأ بحسب خبراتنا الطبية مع انتكاسة المريض وهو يجتاز مراحل النقاهة. وبغير تنظير يستغرقنا ولا يفضي إلي شئ، لابد أن نقر بثقتنا في المجلس العسكري الذي أكد أنه متمسك بدوره وواجبه العسكري في حماية أمن الوطن وأنه يستعجل لحظة عودته إلي مربعه الأثير بعد أن ينقل حكم وادارة البلاد إلي سلطة مدنية منتخبة وفق قواعد الديمقراطية بغير التفاف، ونثق في تأكيده علي حماية الدولة المدنية من أن تختطف إلي المربع الديني والطائفي، ونقرأ بعيون مفتوحة حنكته في عدم ابتلاع طعم المصادمة مع التيارات الخارجة لتوها من غياهب التاريخ بفعل زلزال 25 يناير فحسبت انها أمام فرصة غير متكررة لحشد المغيبين بفعل النظام السابق وراء أطروحاتها الرجعية، واستبان لنا ذلك غير مرة لعل اهمها ما حدث بقنا وما حدث بشأن الحشد السلفي ضد الأقباط وسيل الإفتراءات علي الكنيسة واسلحتها المتوهمة وسجونها المتخيلة. علي أن الأمر يتطلب عدم الإكتفاء بتعقب الأيدي الظاهرة التي تقود موجات الهجوم والإحراق فتلك أضعف حلقات المؤامرة وقد نلتمس لتلك الأيدي بعض من العذر فهم منتج طبيعي لفعل حلقات تحتل مواقع متقدمة في آليات الإعلام التي تشكل وجدان هؤلاء، ولعلنا ننتبه الي خطورة تركهم يمارسون حشو عقول الشباب بكل ما من شأنه تقويض الدولة المدنية لحساب طرحهم. ولا يمكن ترك حالة الإنفلات الأمني علي ما هي عليه، استناداً إلي ارتباك الجهاز الأمني تحت ضغط المصادمة البركانية التي تفجرت مع الثورة واستشعار افراد الجهاز الخطر من العودة إلي الشارع وممارسة مهام وظيفتهم بكامل الطاقة، ففي هذا إخلال بالعقد الإجتماعي بين الشعب والحكام، وإخلال بمهام الوظيفة الإحترافية للجهاز بجملته، وأري أن يسند إدارة وزارة الداخلية إلي أحد قيادات القوات المسلحة في المرحلة الإنتقالية وكذلك وبشكل هرمي تسند قيادة الهيكل الوظيفي للوزارة إلي رتب من القوات المسلحة نزولاً من مديريات الأمن إلي الفرق الجغرافية إلي الأقسام والمراكز، بالتوازي مع قيادات الشرطة، وهو ما تفرضه الحاجة بحسب الواقع إلي استعادة الإنضباط وهو ما يتوفر في عقيدة ومنهج القوات المسلحة، وأظنه سيعيد قيمة الردع إلي الخارجين عن الأمن والإنضباط إلي السجون، والطمأنينه إلي رجل الشارع، وما يعكسه كل هذا علي عودة الأمن إلي ربوع الوطن المدخل الوحيد لعودة عجلة الانتاج الي دورانها، فضلاً عما تبثه من رسائل طمأنة إلي المستثمرين وحركة السياحة وكلاهما بحسب تصريحات المسئولين التنفيذيين قد توقف تماماً. وقد يكون من الضروري إعادة طرح ترتيب اولويات المرحلة القادمة، والتي استقرت حتي الأن علي ان تبدأ بالانتخابات البرلمانية ثم الانتخابات الرئاسية ثم وضع دستور جديد، تأسيساً علي نتائج الإستفتاء الأخير علي التعديلات الدستورية، وهو أمر يجب إعادةالنظر بشكل جدي، فهناك من يري أن الدستور القائم قد سقط مع سقوط النظام بجملته الأمر الذي يلقي بظلاله علي مشروعية طرح بعض مواده للتعديل، فضلاً عن عدم استيعاب إصدار اعلان دستوري يتجاوز المواد المستفتي عليها، ومما يدعم وجاهة اعادة النظر في الترتيب المطروح انعقاد أكثر من مؤتمر لطرح تصورات المستقبل بشكل يكشف عن الإرتباك في حسم الأمور الخلافية فهناك مؤتمر الوفاق القومي المسند للدكتور يحيي الجمل ومؤتمر الحوار الوطني الذي يقوده الدكتور عبد العزيز حجازي فضلاً عن البيانات المتتالية لأكثر من مؤسسة رسمية تدور في فلك الجدل حول الترتيبات، وفي ثناياها نقف مندهشين أمام تصريحات المستشار سليم العوا في محاضرة بكلية التجارة جامعة المنصورة قبل أيام والتي اعتبر فيها من ينادي بالعمل علي تأجيل انتخابات مجلسي الشعب والشوري والانتخابات الرئاسية "من المغرضين الذين لا يريدون الخير لهذه البلاد".. ولعل هذا الجدل يقودنا الي الدعوة للاتفاق علي رئيس أو بمجلس رئاسي (مدني / عسكري) مؤقت لمرحلة انتقالية يتم خلالها تشكيل لجنة تأسيسية بالانتخاب مضافاً اليها بالتعيين خبراء دستوريون وسياسيون لوضع دستور جديد للبلاد يتم بناء عليه انتخاب برلمان جديد ورئيس جديد، ففي هذا حماية للمسيرة الديمقراطية وضماناً للانتقال السلمي لنسق الدولة المدنية دولة القانون والعدالة.