الرجولة هي الرجولة في أي مكان، وأنها لتعني أن يكون الإنسان رجلاً بكل ما تعنيه الكلمة من معان، وهو ما لا يتفق مع معاني الغدر، أو الجبن، أو الخسة، أو التشهير، أو النفاق الاجتماعي، أو البذاءة، أو التدني الأخلاقي. الرجولة تعني المروءة، والشهامة، والأصالة، والنجدة، والإغاثة، والأدب، واللياقة، والقدرة علي المواجهة وسائر الأخلاق النبيلة لا عكس ذلك. أما هؤلاء الجبناء الذين يعمدون إلي استخدام أسماء أو حسابات مستعارة أو مضللة علي الفيس بوك وغيره من مواقع التواصل، مع تعمد إلي تغيير الاسم، أو النوع، أو الصورة، أو الأيديولوجية، أو الصفة الوظيفية، أو محل الإقامة، أو كل ذلك، أو بعضه كوسيلة للإيهام والتضليل والهروب عن أعين الرقيب أو الرقباء، فإن كل ذلك ليس من الرجولة في شيء، ولاسيما تلك الجماعات الجبانة التي تعمل وعن عمد علي توظيف ذلك لإفشال الدول أو إسقاطها من خلال تشويه منجزاتها ورموزها الوطنية، بالكذب، والتدليس، وقلب الحقائق. وإذا كان بعض الناس يظن نفسه قادرًا علي الإفلات من الرقابة أو المحاسبة أو منهما معًا فعليه أن يدرك أنه إن استطاع الإفلات من حساب الخلق فأين هو من محاسبة الخالق (عز وجل) له، حيث يقول الحق سبحانه في كتابه العزيز : »وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» (الأنعام : 59)، ويقول سبحانه: » أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَي مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (المجادلة : 7)، ويقول سبحانه : »وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّي الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (ق :16-18)، ويقول سبحانه علي لسان لقمان (عليه السلام) في وصيته لابنه : » يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان : 16)، ويقول سبحانه : » وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَي بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا » (الإسراء : 13-14). الرجولة تعني الحفاظ علي الأعراض، ذلك أن الإنسان الأصيل لا يمكن أن يتدني فكريًّا ولا أخلاقيًّا، وأن يكون هو هو ظاهره كباطنه، سره كعلنه، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : »ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْقَصْدُ فِي الْغِنَي وَالْفَقْرِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ »، فخشية الله (عز وجل) في السر والعلن تعصم الفرد والمجتمع من الزلل، وقد سئل بعضهم : »بم ينال العبد الجنة؟»، فقال: »بخمس: استقامة ليس فيها روغان، واجتهاد ليس معه سهو، ومراقبة لله تعالي في السر والعلانية، وانتظار الموت بالتأهب له، ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب». فعلي كل إنسان أن يدرك أنه كما يدين يدان، وكما يفعل يفعل بأهل بيته، ولنا في رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أسوة حسنة عندما جاءه شاب فَقَالَ: »يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا : مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ : فَجَلَسَ قَالَ: أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟ قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِم ْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟ قَالَ: لَا. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟، قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ، قَالَ: أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ قَالَ : لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَي يَلْتَفِتُ إِلَي شَيْءٍ». فمن تتبع عورات الناس تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو علي رءوس الأشهاد، والرجولة تقتضي استغلال مواقع التواصل في الإصلاح والنصح والإرشاد والقول الحسن والكلمة الطيبة، ونشر الفضيلة لا الرزيلة.