إذا كانت الموهبة هي جواز المرور للابداع والنجومية.. إلا أنها لاتكفي وحدها للنجاح، ولا تضمن الاستمرار في التحليق في سماء النجومية اليوم سنحاول الخروج عن المألوف، ونترك الحديث عن السياسة وتطوراتها المتسارعة والمتلاحقة باتساع الساحة الدولية كلها، بالرغم من حالة الغليان القائمة الآن بين الولاياتالمتحدةالامريكية وكوريا الشمالية، والتي اصبحت تهدد العالم بصدام لاتحمد عقباه وتضعه علي شفا كارثة محققة تنشر الدمار والخراب في اجزاء غير قليلة منه، اذا ما استمر الاندفاع الأهوج نحو الصدام بالاسلحة الذرية التي يلوح باستخدامها الطرفان. اليوم سنتحدث عن الموهبة الانسانية، التي هي المفتاح السحري لعالم الإبداع، وجواز المرور الذي يمنح لحامله الحق بالولوج المشروع والمباشر إلي عالم النجومية والشهرة المستحقة، ممتطيا صهوة جواد الموهبة التي حباه الله بها ومنحه اياها. نعم اليوم سنتحدث عن الموهبة، ولن نتحدث عن الفوضي والعنف اللذين يجتاحان العالم، رغم وقائع ذلك العنف البادية في أماكن عديدة، وبالرغم من مظاهر تلك الفوضي السائدة في دول كثيرة، ولن نتحدث عن وقائع الصدام والقتل والتخريب والتفجير المنتشرة في كل مكان من عالمنا العربي بالذات، وفرضت نفسها علي كل الافراد والمجتمعات والشعوب قلقا ورعبا، في ظل الدماء التي تسيل والارواح التي تزهق علي ايدي عصابات الارهاب، وميليشيات الموت والدمار وجماعات التكفير والتفجير التي طفت علي السطح، وراحت تعيث في الأرض فسادا، بعد ان تحالفت مع الشيطان ووضعت نفسها في خدمة قوي الشر، وتوافقت معها علي السعي لنشر الفوضي وعدم الاستقرار في المنطقة العربية، وبذل غاية الجهد لتدمير الدول واسقاط اعمدتها وتفكيك هياكلها،...، في اطار المخطط الشيطاني لتغيير الاوضاع القائمة في المنطقة واعادة رسم الخريطة من جديد في اطار ما يسمي بالشرق الاوسط الجديد. انزلاق عشوائي والحديث عن الموهبة رغم الانشغال الدائم بأحداث الدنيا ووقائعها وتطوراتها المتسارعة والمتزاحمة في جميع مناحي وصروف الحياة، بما فيها من مستجدات ومتغيرات متتابعة وجارية علي جميع الساحات المحلية والاقليمية والدولية، وعلي كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية،..، ليس دافعه الهروب من هذه الأحداث وتلك المستجدات، ولكنه محاولة لتركيز الضوء علي قضية انسانية واجتماعية أراها مستحقة من وجهة نظري للتوقف أمامها بالرصد والتأمل والتدقيق، لما لها من تأثير بالغ في حياة البشر ومصائرهم، وتقدم المجتمعات علي اساس القدرة علي رعاية الموهبة وتنميتها وخلق المناخ والظروف الملائمة للابداع. وفي هذا السياق لعلنا جميعا قد طرق اسماعنا أولفت انتباهنا بأي صورة من الصور، ذلك اللعط الشديد الذي دار حول انزلاق بعض الفنانين ممن بالغوا في تقدير مواهبهم،فأخذوا في التهجم باللفظ أو التهكم بالمعني علي بعض الفنانين الآخرين، سواء كانوا سابقين عليهم أو معاصرين لهم، متوهمين ان ذلك يعلي من شأنهم أو يرفع من قيمتهم ويؤكد موهبتهم ونجوميتهم ويحط من موهبة الآخرين،..، وذلك بالقطع تصور خاطئ ووهم ينم عن قلة الثقافة ومحدودية الذكاء وضعف الخبرة، بالاضافة إلي شطط الحمق وسرعة الاندفاع غير الواعي ولا المحسوب. ونحن هنا لايعنينا الاشخاص قدر ما يعنينا المثال والمعني، خاصة ان من ارتكبوا هذه الأخطاء ووقعوا في تلك السقطات هم بالفعل علي قدر ليس ضئيلا من الموهبة ولهم في نفوس كثير من الجمهور قدر ليس قليلا من التقدير،..، ولكنهم أساءوا لأنفسهم بما قالوه وما انزلقوا إليه. فنانة.. وفنان وحتي لا تتوه الحقائق وتتوزع المسئولية عن الخطأ في ظل حرصنا علي النأي بأنفسنا عن الاستهداف الشخصي، والحفاظ قدر الاماكن علي تناول المشكلة أو القضية في اطار الموضوعية والحفاظ علي القيم العامة علي المستوي الانساني والفني،..، نقول لقد كانت بالفعل سقطة كبيرة لإحدي المطربات، عندما وقفت في حفلة عامة لها، تتهجم علي احد المطربين بطريقة فجة تنم عن نزق وطيش كبيرين، كما تؤكد في ذات الوقت افتقارها إلي ما يجب ان يتصف به الفنان من رقي في الاحساس والمشاعر الانسانية والفنية. كما كانت سقطة الفنان الشاب الآخر اكثر سوءا وجسامة، عندما اندفع برعونة وبلا روية ولاتحسب مهاجما الفنان الكبير اسماعيل ياسين، ومحاولا النيل منه والتقليل من شأنه والاساءة إلي قدراته الفنية ووعيه الوطني، ومتجاهلا في ذات الوقت قدر الحب والاعجاب الكبيرين للفنان اسماعيل ياسين في قلوب كل المصريين والعرب، ورفضهم لأي محاولة للمساس به او التقليل من شأنه ومكانته،..، وفي ذلك نقول إن الفنان الشاب رغم موهبته مازال يفتقد إلي الكثير من الذكاء والكثير من الثقافة والكثير من الحس الانساني والفني الراقي. وفي الحالتين اللتين نحن بصددهما، نحن أمام موهبة واضحة في الغناء وجمال الصوت، وموهبة اخري ظاهرة وواضحة في الأداء والتمثيل، ولكل منهما وجود وجماهيرية وانتشار معقول،...، ولكن ذلك لم يصل بعد إلي منطقة النجومية المستقرة والمؤكدة، بما يعنيه ذلك من عدم توافر الاعجاب والتقدير الجماهيري الكبير والكاسح للموهبة الفنية لدي كل منهما، نظرا لارتباط ذلك باحترام الفنان لذاته ورعايته لفنه وموهبته وحفاظه علي القيم الاخلاقية والانسانية العامة، وقدرته علي توقي الهفوات والسقطات. إدارة الموهبة واذا كنا نقول إن الموهبة هي الطريق السريع والمباشر للابداع وجواز المرور للنجومية، إلا اننا نؤكد علي ان الموهبة وحدها لاتكفي للنجاح ولاتضمن لصاحبها البقاء والاستقرار علي كرسي النجاح، كما لاتضمن لمن يمتلكها الاستمرار في التحليق في سماء الابداع والنجومية،..، هي بالقطع ضرورة تضع صاحبها علي بداية الطريق لكنها وحدها لاتؤهله للوصول إلي النجومية. وصاحب الموهبة لابد ان يكون علي قدر كبير من الذكاء والاستنارة، كي يدرك انه يحتاج إلي رعاية وصقل هذه الموهبة وتنميتها بالدراسة والعلم، والالمام والاحاطة بأكبر قدر من المكونات الثقافية والانسانية العامة،...، فإذا ما توفر له هذا واستطاع ان يقوم بذلك كان الطريق إلي النجومية والابداع ممكنا ومتاحا إلي حين. لكنه إذا أراد ضمان الاستمرار في التواجد والتحليق في سماء الابداع والنجومية، فإنه يحتاج إلي شيء آخر،..، وهو المقدرة علي الادارة الصحيحة والناجحة لموهبته،..، وذلك لن يتوفر له دون امتلاك الحكمة والاستمرار في الالمام الكثيف والواسع بالثقافة بالاضافة إلي القدرة علي الاستحواذ علي ثقة واحترام الجماهير. أم كلثوم هذه ليست فقط مجرد تأملات في عالم الابداع والنجومية.. كما انها ليست رؤية محلقة في عالم الخيال وبعيدة عن الواقع.. ولكنها رؤية واقعية مستمدة ومعبرة عما هو قائم بالفعل، في كل مجالات النشاط الانساني المتصل بالفن والثقافة والأدب،..، وايضا في كل المجالات الانسانية الأخري المتصلة بالعمارة والتشييد والبناء، وكل ما هو منبثق عن الفعل الانساني، الذي هو في شموله حجر الزاوية في بناء الحضارة وصنع التقدم علي هذه الارض، في كل الجوانب المادية والمعنوية وكل ما يؤدي للاشباع الحسي والشعوري والارتقاء بالمشاعر الانسانية والأحاسيس الراقية والجوانب الجمالية لدي البشر. وفي هذا السياق.. واذا ما اردنا التعبير عما نقوله ونقصده بنماذج وأمثلة من عالم الفن الزاخر بالنجوم لكان اختيارنا هو الاشارة الواضحة والمباشرة في هذا المجال إلي كوكب الشرق أم كلثوم،..، باعتبارها النموذج الفذ للقدرة الانسانية الفائقة علي تقدير ورعاية الموهبة التي حباها الله بها، والقدرة الانسانية الفائقة علي تطوير هذه الموهبة وصقلها بصفة دائمة بالعلم والثقافة علي ارفع المستويات، بالاضافة إلي ما تمتعت به من كفاءة وذكاء نادرين في الادارة الصحيحة والناجحة لموهبتها الخارقة، بحيث اصبحت ابنة احدي القري بالدقهلية كوكب الشرق كله بلامنازع في عالم الفن والغناء والطرب. وينضم إلي سيدة الغناء العربي أم كلثوم في هذا المجال ايضا ما تمتع به موسيقار الاجيال محمد عبدالوهاب من ذكاء فذ ومقدرة وكفاءة هائلة في رعاية موهبته، وحسن إدارتها بحيث اصبح ابن »باب الشعرية» هو من هو في عالم الموسيقي والنغم بل علي قمة هذا العالم،..، كما ينضم ايضا لهما الفنان عبدالحليم حافظ الذي استطاع بذكائه النادر وثقافته الواسعة ان يدير بأكبر قدر من الاحتراف والكفاءة موهبته التي أهلته للتربع بلا منازع في قلوب الجماهير، واحتلال مقعد النجومية الفائقة عن استحقاق وجدارة. قضية المستقبل بكل الصراحة الواجبة والضرورية لابد أن نؤكد علي ان واجبنا جميعا الآن وطوال الأيام والشهور والسنوات القادمة هو أن نسعي بكل الجدية والاخلاص والصدق، إلي ان يكون شبابنا بخير حقا وصدقا، وان نعمل كلنا من اجل ذلك في كل ساعة وكل وقت دون ملل أو كلل، ودون احباط أو يأس أو تكاسل،..، وان ندرك باليقين ونحن نقوم بذلك ان هذا هو الطريق الوحيد والصحيح لضمان المستقبل الافضل لهذا الوطن. وفي هذا علي كل منا واجب لابد من أدائه، وهو ان يساند بصدق ويدعم باخلاص وقوة طموحات الشباب وآمالهم المشروعة، في ان يكون لهم مكان ومكانة في وطنهم، وان نفتح الطريق امامهم في جميع مجالات العمل والنشاط الاجتماعي والسياسي والثقافي، وأن نمدهم بالخبرة اللازمة،، هذا اذا ما اردنا خيرا بهذا الوطن وكنا جادين فعلا في العمل علي تقدمه وازدهاره. وعلينا أن ننتبه إلي انه بالرغم من الانطلاقة الكبيرة التي تشهدها مصر حاليا علي طريق التنمية الشاملة، علي جميع الاصعدة الصناعية والزراعية والعمرانية، والمتمثلة في الكم الكبير من المشروعات العملاقة في منطقة قناة السويس وسيناء والوادي الجديد والصحراء الغربية والبحر الاحمر والمدن الجديدة والعاصمة الادارية والمدن الأخري،..، إلا ان محاولات التشكيك من جانب الكارهين لمصر وشعبها والراغبين في احباط ووقف تقدمها مستمرة وموجهة بالذات للشباب سعيا لخلق فجوة بينهم وبين دولتهم ومحاولة استقطابهم ودفعهم للسلبية وعدم المشاركة الفعالة في المسيرة الوطنية. لذلك فإن الضرورة والمصلحة الوطنية الخالصة تفرض علينا جميعا التنبه الجاد لهذه المحاولات الضالة والبائسة والمضللة، وان نعمل بكل الاصرار علي عدم السماح للاحباط أو اليأس بالتسلل إلي نفوس شبابنا وابنائنا أو الاستقرار في عقولهم وعزلهم عن مسيرة وطنهم. هذه قضية بالغة الاهمية، بل هي قضيتنا المصيرية التي لابد ان تكون واضحة في اذهاننا بصفة دائمة وفي كل الظروف.. فهي قضية المستقبل لنا جميعا.