التصالح مع الفاسدين التفاف على الثورة.. والانفلات الأمنى متعمد مبارك لم يلعب سياسة.. واكتفي بالتحكيم في »مباراة فساد« بين رجاله العزل السياسي لفلول الوطني.. يجنبنا خطرهم في الانتخابات البرلمانية القادمة هو البرلماني المشاغب.. والسياسي الثائر.. وعدو الفساد الحائر في تفسير محاولات لمصريين ومتمصرين تبريد »جو الثورة«.. والساعي بكل جهد لاسترداد ما تم نهبه من ثروة. وهو أيضاً المؤيد للنظام البرلماني والرافض للنظام الرئاسي.. فالثاني يقرب أي فرعون جديد من اعتلاء كرسي الرئاسة.. والأول يضمن ألا تكون مصر أمانة في أيدي اللصوص مرة أخري! وكما يري د. جمال زهران أستاذ العلوم السياسة وعضو مجلس الشعب السابق فإن ثورة 52 يناير نجحت في خلع الرئيس السابق والزج بعدد من الفاسدين الي سجن طرة.. لكن النظام لم يتم القضاء عليه حتي الآن.. ينبض بالحركة والحياة في أماكن كثيرة.. يحاول بكل قوة الحاشية والبطانة- الممثلة للفلول - فرض الماضي الفاسد علي الحاضر الثوري الهادف للتطهير. ورغم نجاح هذه الفلول في اثارة الفتنة وتعميق الفوضي، فإن الحكومة الراهنة مازالت تحتفظ بهدوء الأعصاب.. تكتفي ب »تمرير البوسطة« وتتناسي خطر الثورة المضادة! ويتساءل صاحب »47« استجوابا عن الفساد تحت قبة البرلمان: أين اجراءات حماية الثورة من أعدائها؟ لماذا لم يصدر »قانون العزل السياسي« بشأن من أفسدوا السياسة ودمروا الاقتصاد؟.. وماذا يحول دون الغاء كل صفقات البيع الفاسدة في برنامج الخصخصة؟.. أليس غريباً أن نعاني الفقر، ونحن الأثرياء؟.. نسعي للاقتراض وثرواتنا في أيدي 3٪ فقط من سكان مصر المنهوبة؟! ويضغط د. زهران علي مخارج الالفاظ عندما يقول: مبارك لم يمارس اصول السياسة أثناء الحكم إنما تولي التحكيم ل »ماتش فاسد« بين رموز فاسدة.. وكان يتعامل مع مصر كأنها إقطاعية يملكها ويديرها رجاله! وحول الرئيس القادم قال: قطعاً لن يكون طاغية.. ولن يسطو علي ثروات البلد.. لان الشعب اصبح قوياً.. »اصبح هو السيد«! منذ اسبوعين انتهي الاستقرار النسبي، وبدأ الانفلات الأمني يزيد ويزيد.. كما بدت الفوضي عنواناً مثيراً ومريباً للشارع المصري.. ربما حدث ذلك -ومازال- بعد صدور أول حكم ضد حبيب العادلي وزير الداخلية الاسبق.. واحتمال أن أنصار النظام السابق أرادوا الانتقام لمصالحهم غير المشروعة بعد الحديث بجدية عن سجن رئيسهم السابق.. المهم ان فلول النظام أرادت سرقة الفرحة بالثورة والدخول بالبلد إلي نفق مظلم.. وهذا ما يدفعنا للتساؤل: ماذا حدث.. وأين نحن الآن.. وأي تنبؤات بالغد؟ يجيب د. جمال زهران: الذي حدث أن مصر ولدت من جديد يوم 52 يناير 1102.. ثارت علي الظلم والفساد والقهر والديكتاتورية التي كانت تحميها دولة بوليسية.. وبقيام الثورة تم التفتيش في الدفاتر ليكتشف الشعب الفقير أن بلده من أغني بلاد العالم.. لكن ثروته ظلت طيلة 03 سنة في أيدي 3٪ فقط تمثل اللصوص من أركان النظام السابق.. واكتشف الشعب أيضاً أن مبارك كان يتعامل مع البلد كأنه إقطاعية يملكها ويديرها له أفراد الحاشية من الوزراء ورجال الاعمال مع الحصول علي نصيبهم من أجر الإدارة!.. وكان أخطر ما تبين للمصريين بعد ثورتهم الرائعة ان النظام الذي كثيراً ما تعامل وزير ماليته والهارب علي طريقة »العين بصيرة.. واليد قصيرة« كان بالضرائب والاتاوات يأخذ من الفقراء ليزيد من ثروات الأثرياء.. وأن النظام لم يكن يمارس لعبة السياسة.. إنما كان يؤدي مباراة في الفساد بين أركانه!.. لان السياسة تعني المنافسة بين أطراف متكافئة.. تعني المشاركة والاعتراف بالآخر وتداول السلطة.. لا الانانية واحتكار البرلمان والقضاء علي كل القوي السياسية. تشريعات ملاكي! ولان الرئيس السابق توهم أنه صاحب الاقطاعية فقد استعان بأهل الثقة ومحترفي النفاق وخالف القانون والدستور حتي يظلوا حوله من أجل مشروع التوريث.. فعندما بلغ زكريا عزمي سن الستين، تم تفعيل قانون تحت قبة البرلمان ليظل رئيساً للديوان أبد الحياة.. ونفس الوضع في الصحافة والقضاء بما أدي إلي قتل الصفين الثاني والثالث وما بعدهما من أهل الخبرة.. وبمناسبة التشريعات التي جاءت لصالح المافيا فقد تم النص في قانون الاستثمار بأن يكون لكل مستثمر أجنبي شريك مصري.. هذا الشريك كان يختاره وزير الاستثمار حسب رغبات سوزان وعلاء وجمال! هذا بشأن القانون.. ماذا عن مخالفة الدستور؟ المادة 59 من الدستور تحظر تعامل عضو البرلمان مع الحكومة طوال فترة عضويته بالبيع أو الشراء - ونفس الحظر ينطبق علي الوزير.. لكن معظمهم اشتروا - بتراب الفلوس وتربحوا - من الدولة، أمثال أبو العينين وساويرس ومحمد إبراهيم سليمان والمغربي وجرانه وهشام وطارق طلعت مصطفي ثم السلاب وآل منصور والمرشدي وغيرهم.. أما فتحي سرور فهو يمثل كارثة في حد ذاته - وتبرئته من الكسب غير المشروع مؤشر غير مطمئن -لأنه حاصل علي مساحات من أراضي الخريجين باسماء وأولاده وأحفاده. النظام.. حي يرزق! قلت إن النظام السابق لم يرحل بعد.. كيف؟ يضرب د. جمال زهران كفاً بكف عندما يقول: يجب علي المسئولين احترام عقيلة المواطنين وإلا يتهموهم بالسذاجة والغباء كالنظام السابق.. فالواقع الذي لا يمكن إنكاره يؤكد أن الثورة تمكنت من الإطاحة برأس النظام وعدد من رموزه - لكن »جسم النظام« مازال باقياً.. نراه في المحليات.. وفي بعض الوزارات من خلال العقلية التي تدير الأمور.. نراه في حالة التردد والبطء الملحوظ في اتخاذ القرار.. هل تعلم أن 09٪ من اعضاء المجالس المحلية ينتمون للحزب الوطني؟.. وبماذا تفسر الحرص علي سياسة رد الفعل لا الفعل والمبادرة؟! قل انت؟ إنها الثورة المضادة والتي أخشي علي مصر منها.. والذين يشعلون نارها هم رجال الحزب الوطني - المنحل - وأعضاء المحليات.. فإذا كان الحزب قد تم حله - شكلاً - فإنه موجود ضمناً في الأجهزة المحلية ودوائر رجال الأعمال.. وليس خافياً أن إثارة الفتنة الطائفية وتعميق الفوضي والقلاقل يعكس الوجود غير الشرعي لهذه الفئة. يضاف إليها الطابور الخامس في الصحافة والفضائيات.. فإذا استثنينا جريدة الأخبار التي تجرأت وغامرت بالوقوف مع الثورة منذ اندلاعها نجد أن صحفاً قومية ومستقلة ظلت تساند النظام في البداية.. وبعد أيام حاولت الإمساك بالعصا من منتصفها.. ثم انحازت للثورة بعد تأكدها من أنهيار النظام!.. هؤلاء كان يجب التخلص منهم.. وإذا اضفناهم إلي ما سبق ذكره من فلول الوطن لتأكدنا أنهم يمثلون الرصيد الاستراتيجي للثورة المضادة. عزل سياسي ويؤكد د. جمال زهران رئيس منظمة »برلمانيين ضد الفساد في مصر« علي ضرورة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الثورة.. فأي ثورة علي مر التاريخ لها أعداء يتربصون بها.. وتركهم طلقاء أحراراً يفتح شهيتهم لاجهاضها.. ولهذا فقد كان منتظراً من المجلس العسكري والحكومة استصدار قانون عزل سياسي لأولئك وهؤلاء.. لحرمانهم من مباشرة وممارسة السياسة لعشر سنوات علي الأقل حتي نجنب البلاد ويلات شرورهم بعدما ثبت إفسادهم للحياة السياسية ونهب ثروات البلد. والفائدة التي ستعود علي الثورة من ذلك؟ ضمان التطهير.. والا سنجدهم يتحايلون علي الواقع خلال الانتخابات البرلمانية القادمة.. فهم بحكم الفساد الماضي يمتلكون ثروات طائلة غير مشروعة.. ومن السهل استغلالهم لحالة الفقر التي يعاني منها 05٪ من المجتمع ليقوموا بشراء أصوات الناخبين.. يعني نتخلص من التزوير لندخل دوامة سوق الاصوات! ما تقييمك لأداء حكومة د. شرف؟ د. عصام شرف رجل نزيه ووطني »علي عيني وراسي«.. لكن الأداء الحالي لا يزيد عن كونه »تمرير بوسطة« ولعل فلول النظام نجحت في إحداث فجوة بين الحكومة والشعب.. لان الشعب لا يشعر بوجودها.. لم يلمس أي قرار أو إجراء يحقق العدالة الاجتماعية ويمنع الاحتكارات ويضبط الأسعار ويحسم مسألة الأجور. وترتفع لهجة الغضب عند د. زهران عندما تتطرق معه في الحوار عن المحاكمات الراهنة.. فزكريا عزمي لحق بالدكتور فتحي سرور في الخروج من الكسب غير المشروع.. وأخبار تتوارد عن العفو عن سوزان ثابت وعن مبارك.. والبقية تأتي!.. وإذا كان عزمي وسرور لم يكسبا كسباً غير مشروع، فمن هم الذين كونوا ثروات من حرام؟!.. المؤشرات هنا غير مطمئنة.. وأخشي ان تكون بداية لتجسيد نجاح الثورة المضادة في تحقيق هدفها بتصالحنا مع الماضي الفاسد »!« وكان يجب تشكيل محكمة للثورة تضم هيئة قضائية مستقلة حتي لا يتم الطعن عليها.. فالمعروف ان الثورات علي مستوي العالم تخلق كيانات قضائية مستقلة لمحاكمة الفاسدين.. لكن ما يجري حالياً هو استهلاك للوقت وتحايل علي أهداف الثورة. والدليل علي الرغبة في استهلاك الوقت يتمثل في إطالة أمد الانفلات الأمني.. حتي يؤكد لنا أنصار النظام السابق أن ما كان أفضل مما هو كائن الآن!.. وذلك رغم أن الانفلات لا مبرر لاستمراره.. فإذا كان عدد من ضباط وأفراد بالشرطة يرفضون العمل خوفاً من انتقام الشعب منهم فإن الحلول ليست مستحيلة.. كان يمكن إعادة هيكلة جهاز الشرطة بتنقيته من أنصار النظام والاستعانة بأفراد من القوات المسلحة.. كذلك منح رتبة الضابط لامناء الشرطة الحاصلين علي ليسانس الحقوق.. ثم تخفيف هذه البطالة بالسحب من خريجي الحقوق العاطلين ودمجهم في دورات شرطية سريعة ليصبحوا ضباطاً.. أليست هذه حلولاً؟! أموال الشعب وبالتالي فإن الانفلات الامني المقصود.. وحالة التردد والتراخي في اتخاذ القرارات والإجراءات الكفيلة بحماية الثورة، وراء الأزمة الاقتصادية التي نعيشها حالياً. والحل؟ كل عمليات البيع الفاسدة للشركات في برنامج الخصخصة يجب الغاؤها علي أن يتم تعويض أصحابها بنفس الفائدة البنكية. سيخرج علينا من يقول إنها عودة للاشتراكية؟ »مفيش حاجة اسمها اشتراكية.. فيه ثورة حريصة علي استرداد أموال الشعب المنهوبة« فليس مقبولاً أن نتسول بالاقتراض ولدينا ثروات هائلة.. وليس مقبولاً أن تظل أصول البلاد ضائعة بهذا المنطق الخبيث.. هل تعلم أن الأراضي - وحدها - التي تم تخصيصها لنجلي مبارك ورموز حكمه لو تم طرحها للبيع ستحقق دخلاً للخزانة العامة قيمته 005 مليار جنيه؟! ماذا تنتظر من الرئيس القادم؟ رغم كل ما يحدث فالمستقبل يبشر بالخير.. لا تراجع للوراء.. المارد خرج من القمقم.. والرئيس القادم لن يكون طاغية لأن الشعب »أصبح هو السيد«.